أولاً: الأحاديث النبوية

قال رسول الله ﷺ:

”سَوُّوا صُفُوفَكُمْ؛ فإنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِن تَمامِ الصَّلاةِ.“

صحيح مسلم

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: “فلقد رأَيتُ أحدَنا يُلصِقُ مَنكِبَه بِمَنكِبِ صاحبِه ، وقدَمَه بقدمِهِ”.

صحيح البخاري

أقبل رسول الله ﷺ على الناس بوجهه فقال:

”أقيموا صفوفكم -ثلاثاً- والله لتقيمنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم.“

قــال النعمــان بــن بشـــيــــر -رضي الله عنه-: “فــرأيـــتُ الـــرَّجـــل يــلــــزِق مَنكِـــــبـــه بمنكِب صاحبِه وكعبَهُ بكعبِه”.

رواه الشيخان و أبو داوود (صحيح)

قال رسول الله ﷺ:

”راصُّوا صُفـــوفَكم، وقــارِبوا بيْنها، وحاذُوا بالأعناقِ؛ فوالذي نفْسُ محمَّدٍ بيَدِه، إنِّي لَأَرى الشَّياطينَ تَدخُلُ مِن خَلَلِ الصفِّ كأنَّها الحَذَفُ*

رواه أبو داوود (صحيح)

*الحذف: صغار الغنم

قال رسول الله ﷺ:

”أَقيموا الصفوفَ، وحاذُوا بين المناكبِ، و سُدُّوا الخَلَلَ، و لِينوا بأيدي إخوانِكم، ولاتذَروا فُرُجاتٍ للشيطانِ، ومن وصل صفًّا وصله اللهُ ، و من قطع صفًّا قطعَه الله“

صحيح الترغيب

ثانياً: أقوال أهل العلم

ابن بطال -رحمه الله-

قال ابن بطال في “شرح صحيح البخاري”:

هذه الأحاديث تفسر قوله عليه السلام: (تراصُّوا فى الصف) ، وهذه هيئة التراص، وفيه: أن الكعب هو العظم الناتئ فى أثر الساق ومؤخر القدم، كما قال أهل المدينة؛ لأنه لو كان الكعب فى مقدم القدم كما قال أهل الكوفة لما تمكن أن يلزق أحدهم كعبه بكعب صاحبه، وهذا يدل على أن الكعبين اللذين جعلهما الله غاية فى غسل القدمين هما المذكوران فى حديث النعمان بن بشير، وقد تقدم هذا فى كتاب الطهارة بزيادة.

1

ابن كثير -رحمه الله-

قال ابن كثير في “تفسيره”:

فليس يمكن أن يلزق كعبه بكعب صاحبه إلا والمراد به العظيم الناتئ في الساق حتى يحاذي كعب الآخر، فدل ذلك على. ما ذكرناه من أنهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم، كما هو مذهب أهل السنة.

2

ابن حجر -رحمه الله-

قال ابن حجر تعليقا على تبويب البخاري:

قَوْلُهُ: “بَابُ إِلْزَاقِ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ”

الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَعْدِيلِ الصَّفِّ وَسَدِّ خَلَلِهِ وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِسَدِّ خَلَلِ الصَّفِّ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ.

3

ابن الملقن -رحمه الله-

قال ابن الملقن في “التوضيح لشرح الجامع الصحيح”:

ثم ساق حديث أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي”. وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ.

وقد سلف هذا الحديث في باب: إقبال الإِمام على الناس عند تسوية الصفوف. وهذا الحديث يبين هيئة التراص المأمور به، وأن الكعب هو العظم الناتئ عند مفصل الساق والقدم.

4

المناوي -رحمه الله-

قال المناوي في “فيض القدير”:

(أقيموا صفوفكم) باعتدال القائمين بها على سمت واحد وبسد الخلل منها (وتراصوا) بتشديد الصاد المهملة أي تلاصقوا بغير خلل.

5

العيني -رحمه الله-

قال العيني في “شرح أبي داود”:

قوله: “وكعبه بكعبه” أي: يلزق كعبه بكعب صاحبه. وفيه ما يدل على أن الكعب هو العَظم الناتِئ في مَفْصل الساق والقدم، وهو الذي يمكن إلزاقه.

وقال أيضاً في شرح البخاري:

قوله: (يلزق)، بضم الياء: من الإلزاق أي: يلصق. قوله: (كعبه بكعب صاحبه) ، أي: يلزق كعبه بكعب صاحبه الذي بحذائه.

6

الشوكاني -رحمه الله-

قال الشوكاني في “نيل الأوطار”:

قَوْله: (تَرَاصُّوا) بِتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَة: أَيْ تَلَاصَقُوا بِغَيْرِ خَلَل.

7

الشيخ أبي الخير نور الحسن خان -رحمه الله-

قال الشيخ أبي الخير نور الحسن خان ابن أبي الطيب صديق بن حسن في كتابه: “فتح العلام لشرح بلوغ المرام” تحت عنوان: حكم تسوية الصفوف ورصها!

وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: “رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق” [رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه] (رصوا صفوفكم) بضم الراء والصاد، من رَصِّ البناء؛ أي في صلاة الجماعة بانضمام بعضكم إلى بعض، (وقاربوا بينها) أي الصفوف، (وحاذوا) أي يساوي بعضكم بعضاً في الصف (بالأعناق).

وتمام الحديث من سنن أبي داود: “فوا الذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف” بفَتْحِ الحَاء والذال المُعجَّمة، وهي صغار الغنم.

وأخرج الشيخان وأبو داود من حديث النعمان بن بشير فقال: أقبل رسول الله ﷺ على الناس بوجهه فقال: “أقيموا صفوفكم، أقيموا صفوفكم، أقيموا صفوفكم، والله لتقيمنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم” قال:فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وكعبه بكعبه.

وأخرج أبو داود عنه أيضاً قال: كان النبي ﷺ يسوينا في الصفوف كما يقوِّم القدح، حتى إذا ظن أن قد أخذنا ذلك عنه وفقهنا أقبل ذات يوم بوجهه إذا رجل منتبذ بصدره فقال:“لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم”.

وأخرج أيضا من حديث البراء بن عازب قال: كان رسول الله ﷺ يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول:“لا تختلفوا فتختلف قلوبكم”.

وهذه الأحاديث والوعيد الذي فيها دالٌ على وجوب ذلك، وهو مما تساهل فيه الناس، كما تساهلوا فيما يفيده حديث أنس عنه ﷺ: “أتموا الصف المقدَّم ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر” [أخرجه أبو داود]

وأخرج أبو داود ومسلم والنسائي وابن ماجه من حديث جابر بن سَمُرة قال: قال رسول الله ﷺ: “ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم!” قلنا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال:“يتمون الصفوف المقدمة، ويتراصون في الصف”.

وورد في سد الفرج في الصفوف أحاديث؛ كحديث ابن عمر: أخرجه الطبراني في الأوسط.

وأخرج أيضاً فيه من حديث عائشة قال ﷺ: “من سد فرجة في صف رفعه الله بها درجة وبنى له بيتاً في الجنة”.

قال الهيثمي: فيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف، ووثقه ابن حبان. وأخرج البزّار من حديث أبي جُحيْفة عنه ﷺ: “من سد فرجة في الصف غفر له” قال الهيثمي إسناده حسن، ويغني عنه: “رصوا صفوفكم..” الحديث. إذ الفُرَجُ إنما تكون من عدم رصهم الصفوف.
وإني لأعجب أشد العجب من بعض الشباب ممن إذا وقفت بجـانبه في الصلاة تظنه يلزق قدمه بقدمك، فإذا هو يبادرك بـلزق رؤوس أصـابعه بأصابعك!!! ا.هـ

8

العلامة الحكمي والشيخ زيد المدخلي -رحمهما الله-

قال الإمام حافظ بن أحمد بن علي الحكمي في منظومته: “السبل السوية لفقه السنن المروية”:

وواجب تسـوية الصـف على جمـاعة وأن يسـدوا الخللا

يـلزق كعبه بكعب صـاحبه وهـكذا منكـبه بمنكبـه

ففي الصحيح قد أتى الترغيـب في ذا وجا عن تركه الترهيب

بالأمر والفـعل من الرسـول مما روى العدل عن العـدول

وقد شرح العلامة زيد المدخلي هذه المنظومة وبينها أعظم بيان في درته الموسومة: “الأفنان الندية شرح منظومة السبل السوية لفقه السنن المروية” فقال في شرحه لهذه الأبيات:

1. قوله: وواجب تسوية الصف على جماعة وأن يسدوا الخللا

أي إنه ثبت شرعاً وجوب تسوية الصفوف كلها على جماعة المصلين وأن يهتموا بذلك؛ لأن تسوية الصفوف من تمام الصلاة، ولا يجوز لهم أن يتهاونوا بذلك فيهدموا سنة كريمة طالما حرص النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون على إقامتها والاهتمام بشأنها؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف بنفسه، ويغضب إذا رأى من المصلين تقدما أو تأخرا في الصفوف، ويذكرهم عقوبة ذلك، وهكذا يجب على كل إمام أن يتفقد صفوف الجماعة قبل أن يشرع في التكبير ويقول: “أقيموا صفوفكم، وتراصوا، أو يقول: استووا استووا”

كما يجب على المصلين -إذا كانوا جماعة في مسجد أو غيره من الأمكنة التي يقيمون فيها صلواتهم- أن يسدوا الخلل؛ بحيث يلصق بعضهم ببعض، ولا يدعوا فرجا للشياطين تدخل منها فتفسد على المصلين صلواتهم.

2. ثم بين الناظم-رحمه الله- كيفية التراص وسد الخلل بقوله: يلزق كعبه بكعب صاحبه وهكذا منكبه بمنكبه

أي يجعل المصلي كعب رجله مساويا لكعب رجل أخيه في الموقف ملصقا منكبه بمنكبه مساويا له، وبهذه العملية الشريفة في الصفوف تتحقق الأمور العظيمة التي كانت مرادة ومقصودة للشارع؛ ألا وهي استقامة الجوارح لتستقيم القلوب، وسد الأبواب التي تدخل منها الشياطين لتفسد صلاة المصلين، ثم التشبه بالملائكة الكرام حينما تصف عند خالقها وبارئها سبحانه وتعالى.

3. وقوله: ففي الصحيح قد أتى الترغيـب في ذا وجا عن تركه الترهيب

4. بالأمر والفـعل من الرسـول مما روى العدل عن العـدول

أي: كم من حديث ذي متن صريح، وسند صحيح قد ورد الترغيب فيه في تسوية الصفوف والتراص فيها وسد الخلل الكائن بينها، كما جاءت نصوص كريمة بأسانيد مرفوعة تحمل الترهيب بالعقوبات العاجلة والآجلة لمن زهد في تلك التعليمات الرفيعة القولية والفعلية، وتساهل في شأنها حتى بلغ به الأمر أنه لا يبالي كيفما وقف، وعلى أي حال صف، بل ربما اقترب منه أخوه المصلي ليجعل كعبه مع كعبه ومنكبه مع منكبه- تنفيذا لوصية الرسول الكريم، وتحقيقاً للمصالح التي ذكرتُ بعضها قريباً – فإذا هو يفر منه كفرار الصحيح من المجذوم، وفرار الخائف من الأسد، وبدعوى أنه لا يطيق المزاحمة! ونحو ذلك من الحجج الضعيفة الواهية.

وسئل العلامة زيد بن محمد المدخلي في كتابه:”العقد الـمُنضَّد الجديد في الإجابة على مسائل في الفقه والمناهج والتوحيد”.

س/ فضيلة الشيخ: ما هي الكيفية السنية في تسوية الصفوف؟ وهل يجوز التراص إلى أن يؤدي ذلك للتضييق على المصلين؟

ج/ الكيفية السنية الشرعية في تراص الصفوف تكون بـلـزق كعب الرجل إلى كعب أخيه ومنكبه مع منكبه، وسد الفرج والخلل بدون تضييق على المصلين، وبدون تساهل في التراص، بل وسط بين ذلك، وخير الأمر الوسط. والله أعلم.

9

ابن باز -رحمه الله-

سئل الإمام بن باز -رحمه الله- كما في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة/ الجزء الثاني عشر/ القسم الثالث من كتاب الصلاة:

س/ بعض الناس في الصلاة لا يهتمون بتسوية الصفوف مطلقاً؛ فتراه يتقدم أو يتأخر، ويكون بينه وبين الذي بجانبه فرجة ظاهرة، فما حكم عمل هؤلاء؟ وهل يخل ذلك بالصلاة؟ وما واجب الإمام تجاه ذلك؟.

ج/ الواجب على المصلين:

1. إقامة الصفوف،

2. وسد الفرج بالتقارب،

3. وإلصاق القدم بالقدم،

من غير أذى من بعضهم لبعض.

والواجب على الإمام تنبيههم على ذلك، وأمرهم بإقامة الصفوف والتراص فيها؛ عملاً بقول النبي : “أقيموا الصفوف وسدوا الفرج” وقوله : “سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة” وعلى كل مسلم أن يلاحظ من حوله حتى يتعاونوا جميعاً على إقامة الصف وسد الفرج. والله ولي التوفيق.

وقال أيضاً -رحمه الله- في شرحه لرياض الصالحين، باب: (فضل الصف الأول والتراص في الصفوف وتسويتها وإكمال الأول فالأول): شارحاً حديث جابر بن سَمُرة -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله ﷺ فقال: “ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟” فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال:“يتمون الصف الأول، ويتراصون في الصف”. [رواه مسلم]

هذا الحديث في فضل الصفوف ورصها، وإكمال الصف الأول فالأول، والمشروع للمسلمين أن يصلوا جماعة، وهذا فرض عليهم لازم، أن يصلوا صلواتهم الخمس في جماعة في المساجد، والواجب عليهم أن يصفوا متراصين، وأن يكملوا الصف الأول فالأول،كما شرع لهم نبيهم ذلك وأمرهم به وقال: “صلوا كما رأيتموني أصلي”.

فحديث جابر بن سمرة فيه أن النبي ﷺ خرج عليهم -أي على أصحابه-فقال: “ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟” قالوا: كيف تَصُفُّ الملائكة عند ربها؟ قال:“يتمون الصفوفَ الأُول، ويتراصون في الصف” يعني: يجتهدون في إتمام الصفوف الأُول؛ كلما تم صفٌّ أكملوا ما بعده.

ثم هم متراصون أيضاً، هذه السنة؛ إكمال الصف الأول فالأول مع التراص، فلا يبدأ في الصف الثاني حتى يُكمل الصف الأول، ولا يبدأ في الثالث حتى يكمل الثاني، وهكذا مع التراص، يعني: التراص الذي لا يؤذي؛ التراص الذي يسد الخلل، ولكن لا يؤذي أحداً؛ لأنه لا يجوز لمسلم أن يؤذي أخاه، فالتراص هو التقارب لكن ليس فيه أذى، ولا مضايقة، القـدم في القـدم بدون مضايقة، حتى تكمل الصفوف، هذه هي السنة، بل هذا هو الـواجـب؛ لأن الرسول ﷺ أمر به، وأرشد إليه وقال: “صلوا كما رأيتموني أصلي”.

قال ابن باز تعليقا على حديث أنس:

من باب التنفيذ لهذا الأمر بلزق قدمه بقدم صاحبه من غير إيذاء، ولا يفشح بين رجليه ليَضُرَّ أخاه.

هذه الترجمة بيَّن فيها المؤلف المراد بالصفوف وتراصها، وسد الفرج. [الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري]

10

الألباني -رحمه الله-

قد نبه الإمام الألباني على هذه السُنّة؛ حيث قال كما في سلسلته الصحيحة: (1/70) تحت عنوان: سنة متروكة يجب إحياؤها:

استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ في الأمر بإقامة الصفوف وتسويتها؛ بحيث يَنْدُرُ أن تَخفى على أحد من طلاب العلم فضلاً عن شيوخه، ولكن ربما يخفى على الكثيرين منهم أن من إقامة الصف تسويته بالأقـدام، وليس فقط بالمناكب، بل لقد سمعنا مراراً من بعض أئمة المساجد -حين يأمرون بالتسوية- التنبيه على أن السنة فيها إنما هي بالمناكب فقط دون الأقدام!

ولما كان ذلك خلاف الثابت في السنة الصحيحة؛ رأيت أنه لابد من ذكر ما ورد فيه من الحديث؛ تذكيراً لمن أراد أن يعمل بما صح من السنة؛ غير مغتر بالعادات والتقاليد الفاشية في الأمة.
فأقول: لقد صح في ذلك حديثان:
الأول: من حديث أنس،
والآخر : من حديث النعمان بن بشير،

-رضي الله عنهما-.

أما حديث أنس فهو: “أقيموا صفوفكم وتراصوا؛ فإني أراكم من وراء ظهري”. رواه البخاري (2/176- طبعة بولاق) وأحمد (3/182و263) والمخلِّص في “الفوائد” (1/10/2) من طرق عن حميد الطويل: ثنا أنس بن مالك قال: أقيمت الصلاة؛ فأقبل علينا رسول الله ﷺ بوجهه؛ فقال: (فذكره) زاد البخاري في رواية: (قبل أن يكبر).

وزاد أيضاً في آخره:” وكان أحدنا يُلزِق مِنكبه بمِنكَب صاحبه، وقدمه بقدمه”.

وهي عند المخلِّص، وكذا ابن أبي شيبة (1/351) بلفظ: “قال أنس: فلقد رأيت أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه؛ فلو ذهبت تفعل هذا اليوم لنفر أحدكم كأنه بغل شموس” وسنده صحيح أيضاً على شرط الشيخين. وعزاها الحافظ لسعيد بن منصور والإسماعيلي.

وترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف.

وأما حديث النعمان فهو: “أقيموا صفوفكم -ثلاثاً- والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم” أخرجه أبو داود (رقم:662) وابن حبان (396) وأحمد (4/276) والدولابي في “الكنى” (2/86) عن أبي القاسم الجدلي حسين بن الحارث قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: أقبل رسول صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: (فذكره)”، قال: “فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكبه صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه”.

قلت: وسنده صحيح، وعلقه البخاري مجزوماً به، ووصله ابن خزيمة أيضاً في “صحيحه” (1/82-83) وأقره المنذري في “الترغيب” (1/176) والحافظ في “الفتح” (2/176) ومن طريق ابن خزيمة أخرجه ابن حبان في صحيحه (114/396- موارد).

وفي هذين الحديثين فوائد هامة:

الأولى: وجوب إقامة الصفوف وتسويتها والتراص فيها؛ للأمر بذلك، والأصل فيه الوجوب؛ إلا لقرينة؛ كما هو مقرر في الأصول، والقرينة هنا تؤكد الوجوب، وهو قوله ﷺ: “أو ليخالفن الله بين قلوبكم” فإن مثل هذا التهديد لا يقال فيما ليس بواجب كما لا يخفى.

الثانية: أن التسوية المذكورة إنما تكون بلصق المنكب، وحافة القدم بالقدم؛ لأن هذا هو الذي فعله الصحابة -رضي الله عنهم- حين أُمِروا بإقامة الصفوف والتراص فيها، ولهذا قال الحافظ في الفتح بعد أن ساق الزيادة التي أوردتها في الحديث الأول من قول أنس:

“وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي ﷺ، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته”.

ومن المؤسف أن هذه السنة من التسوية قد تهاون بها المسلمون، بل أضاعوها، إلا القليل منهم؛ فإني لم أرها عند طائفة منهم إلا أهل الحديث! فإني رأيتهم في مكة سنة 1368هـ حريصين على التمسك بها كغيرها من سنن المصطفى ﷺ، بخلاف غَيرِهم من أتباع المذاهب الأربعة -لا أستثني منهم حتى الحنابلة- فقد صارت هذه السُنَّةُ عِندهم نَسياً مَنْسيِّاً، بل إنهم تتابعوا على هجرها والإعراض عنها.

وخلاصة القول: إنني أهيب بالمسلمين -وبخاصة أئمة المساجد- الحريصين على إتباعه ﷺ واكتساب فضيلة إحياء سنته ﷺ أن يعملوا بهذه السنة، ويحرصوا عليها، ويَدْعُوا الناس إليها حتى يجتمعوا عليها جميعاً؛ وبذلك ينجون من تهديد: “أو ليخالفن الله بين قلوبكم”.

وقد أكد الإمام الألباني في كتابه: (صحيح الترغيب والترهيب) – الجزء الأول- على أن السنة في الصلاة تسوية الصفوف، وهذه التسوية تكون كما فهمها الصحابة -رضي الله عنهم- بإلصاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم والكعب بالكعب.

قال بعد أن ساق الأحاديث التي ذكرها المصنف:

[قال المنذري] باب: (ما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها)

494-(7) وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصف من تمام الصلاة” [رواه البخاري ومسلم وابن ماجه وغيرهم].

وفي رواية البخاري: “فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة” ورواه أبو داود، ولفظه صحيح. أن رسول الله قال: “رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خَلَل الصف كأنها الحَذَف”. [رواه النسائي، وابن ماجه وابن حبان في”صحيحيهما” نحو رواية أبي داود]

(الخَلَل): بفتح الخاء المعجمة واللام أيضاً: هو ما يكون بين الاثنين من اتساعٍ عند عدم التـراص.

قال الإمام الألباني:

رُصُّوا من الرَّصُّ: يقال: رصَّ البناءَ، يَرُصُّه رَصَّاً: إذا ألصق بعضه ببعض، ومنه قوله تعالى:﴿كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ [الصف:4] ومعناه: تضاموا وتلاصقوا حتى يتَّصِل ما بينكم ولا ينقطع.
قلت: وذلك بأن يلصق الرجل منكبه بمنكب صاحبه، وكعبه بكعب صاحبه؛ كما ثبت ذلك عن الصحابة وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فراجع له:” سلسلة الأحاديث الصحيحة (32) وحديث أنس بن مالك، ومثله حديث النعمان بن بشير (31- باب/5).

وفي السلسلة الصحيحة (6/76) أورد الإمام الألباني:

حديث ابن عمر عند أبي داود (666) مرفوعاً: “أقيموا الصفوف، وحاذوا بالمناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله” وإسناده صحيح كما قال النووي؛ فإنه يوضح أن الأمر باللين إنما هو لسد الفرج، ووصل الصُّفُوفِ، ولذلك قال أبو داود عَقِبَهُ: ومعنى (لينوا بأيدي إخوانكم): “إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغي أن يلين له كل رجل منكبه حتى يدخل في الصف”.

ولذلك استدل به النووي في “المجموع”(4/301) على أنه “يستحب أن يفسح لمن يريد الدخول إلى الصف”، وليس يخفى على كل مُحِبٍّ للسنة عارف بها أن قول الخطابي: “ولا يحاك منكبه بمنكب صاحبه!” مخالف لما كان يفعله أصحاب النبي ﷺ حين يُصلَّون خلفه، وذلك تنفيذاً منهم لقوله ﷺ: “أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من ورائي” رواه البخاري (725) عن أنس، قال أنس: “وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه”. وله شاهد من حديث النعمان بن بشير، وهما مخرجان في “صحيح أبي داود” (66).

وقد أنكر بعض الكاتبين في العصر الحاضر هذا الإلزاق، وزعم أنه هيئة زائدة على الوارد، فيها إيغال في تطبيق السنة!!! وزعم! أن المراد بالإلزاق الحث على سد الخلل لا حقيقة الإلزاق!! وهذا تعطيل للأحكام العملية، يشبه تماماً تعطيل الصفات الإلهية، بل هذا أسوأ منه لأن الراوي يتحدث عن أمر مشهود رآه بعينه؛ وهو الإلزاق، ومع ذلك قال: ليس المراد حقيقة الإلزاق! فالله المستعان.
وأسوأ منه ما صنع مضعف مئات الأحاديث الصحيحة المدعو: (حسان عبد المنان) فإنه تعمد إسقاط رواية البخاري المذكورة عن أنس من طبعته لـ”رياض الصالحين” (ص 306/836) وليس هذا فقط، بل دلَّس على القُراء، فأحال ما أُبقي من حديث البخاري المرفوع إلى البخاري برقم (723) حتى إذا رجع القراء إليه لم يجدوا قول أنس المذكور، والرقم الصحيح هو المتقدم مني (725) وله من مثل هذا الكتم للعلم ما لا يعد ولا يحصى، وقد نبهت على شيء من ذلك في غير ما مناسبة، فانظر على سبيل المثال الاستدراك رقم (13) من المجلد الأول من هذه السلسلة، الطبعة الجديدة.

11

فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-

قال الإمام محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- كما في شرحه لرياض الصالحين، باب (فضل الصف الأول والتراص في الصفوف وتسويتها وإكمال الأول فالأول):

عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله ﷺ ذات يوم فقال: “ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها” الملائكة لها عبادات متنوعة وهم -عليهم الصلاة والسلام- ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ○ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:19-20] وتأمل قوله: “يُسَبِّحُونَ الَّليْلَ وَالنَّهَارَ” ولم يقل يُسبِّحُونَ في الليل والنهار؛ لأنهم يستوعبون الوقت كله في التسبيح، ومن عباداتهم عند ربهم أنهم يَصُفُّونَ عند الله عز وجل كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ○ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ [سورة الصافات:165-166] وكيف صفوفهم؟

قال النبي : “يكملون الأول فالأول ويتراصون” إذن فنحن إذا صففنا بين يدي الله في صلاتنا ينبغي أن نكون كالملائكة: يكملون الأول فالأول ويتراصون (الأول فالأول) كما أنه من سنة الملائكة عند الله ، ومما رغب فيه النبي ، فهو من الأمور التي ينبغي أن يتزاحم الناس عليها؛ لأن النبي قال في حديث أبي هريرة: “لو يعلم الناس ما في النـداء والصف الأول -يعني من الأجر- ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا” يعني لو لم يجدوا طريقا يصلون إلى الصف الأول به إلا أن يجروا قرعة لفعلوا، وهذا يدل على فضيلة الصف الأول، ويدل على أن الأفضل التراص في الصفوف، ويدل على أنه يكمل الأول فالأول.

فهذه مسائل ينبغي للإنسان أن يتنبه لها:

الأول: أن لا يقف في صف حتى يكمل الذي قبله.

الثاني: في الصلاة يتراصون: يلصق بعضهم كعبه بكعب أخيه ، ومنكبه بمنكبه حتى تتم المراصة؛ لأنهم إذا لم يتراصوا تدخل الشياطين بينهم كأولاد الغنم الصغار، ثم يشوشون عليهم صلاتهم.

12

المباركفوري -رحمه الله-

قال المباركفوري في “مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح”:

قال أنس: فلقد رأيت أحدنا إلى آخره. وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي ﷺ، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته، وزاد معمر في روايته ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر كأنه بغل شموس. انتهى كلام الحافظ.

قلت: قوله ﷺ: “تراصوا”، وقوله: “رصوا صفوفكم”، وقوله: “سدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان”، وقول النعمان بن بشير: “فرأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه..” الخ، وقول أنس: “وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه..” الخ، كل ذلك يدل دلالة واضحة على أن المراد بإقامة الصف وتسويته أنما هو اعتدال القائمين على سمتٍ واحد وسد الخَلَل والفُرَجِ في الصف بإلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم، وعلى أن الصحابة في زمنه ﷺ كانوا يفعلون ذلك، وأن العمل برصِّ الصف والزاق القدم بالقدم وسد الخلل كان في الصَّدْر الأول من الصحابة وتبعهم، ثُم تهاون الناس به.

قال شيخنا في إبكار المنن بعد ذكر قولي النعمان وأنس: فظهر أن إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف سنة، قد عمل بها الصحابة خلف النبي ﷺ، وهو المراد بإقامة الصف وتسوية على ما قال الحافظ. انتهى. وجزى الله أهل الحديث أحسن ما يُجْزى به الصالحون، فإنهم أحيوا هذه السنة التي تهاون الناس بها لاسيما المُقلِّدُون لأبي حنيفة، فإنهم لا يُلزِقُون المِنكب بالمنكب في الصلاة فضلاً عن إلزاق القَدم بالقَدم والكعب بالكعب، بل يتركون في البين فرجة قد شبر أو أزيد، بل ربما يتركون فصلاً يسع ثالثاً وإذا قام أحد من أصحاب الحديث في الصلاة مع حنفي وحاول لإلصاق قدمه بقدمه إتباعاً للسنة نحى الحنفي قدمه حتى يضم قدميه ولا يبقى فرجة بينهما وأشمأز ونظر إلى صاحبه المحمدي شزرا، بل ربما نفر كالحمار الوحشي، ويعد صنيع أهل الحديث الذي هو اتباع للسنة وإحياءها من الجهل والجفاء والفظاظة والغلظة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وعالمهم وعاميهم في ترك هذه السنة والاستنفار عنها سواء. (45)

ثم ذكر كلام أحد المقلدين وأجاب: قلت: حمل الإلزاق هنا على المجاز يحتاج إلى قرينة، وتفسيره بأن لا يترك في البين فرجة تسع فيها ثالثاً لا أثارة عليه من دليل لا من منقول ولا من معقول، ولا يوجد هاهنا أدنى قرينة وأضعف أثر يدل على هذا المعنى البتة، فهو إذاً من مخترعات هذا المقلد الذي جعل السنة بدعة، والبدعة -أي ترك الإلزاق بإبقاع الفرجة وعدم التضام- سنة، ثم لم يكتف بذلك بل تجاسر فنسب ما اخترعه إلى الفقهاء الأربعة.

ثم أقول ما الدليل من السنة أو عمل الصحابي على تحديد الفصل بين قدمي المصلي بأن يكون قدر أربع أصابع أو قدر شبر في حال الانفراد والجماعة كلتيهما. والحق أن الشارع لم يعين قدر التفريج بين قدمي المصلي راحة له وشفقة عليه؛ لأنه يختلف ذلك باختلاف حال المصلى في الهزال والسمن والقوة والضعف. فالظاهر أنه يفصل بين قدميه في الجماعة قدر ما يسهل له سد الفرج والخلل، وإلزاق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه من غير تكلف ومشقة.

ثم إنه ليس عندنا لفظ الإلزاق فقط بل هنا لفظ التراص وسد الخلل والنهى عن ترك الفرجة للشيطان، وكل واحد من ذلك يؤكد حمل الإلزاق على معناه الحقيقي، وماذا كان لوكان هنا لفظ الإلزاق فقط. وقد اعترف هو في آخر كلامه أن المراد به التراص وترك الفرجة، وهذا هو الذي نقوله. ولا يحصل التراص والتوقي عن الفرجة إلا بأن يلصق الرجل منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه حقيقة، وليت شعري ماذا يقول هو في مثال الإلصاق الحقيقي وهو قولهم به داء، ثم ماذا يقول في قوله ﷺ: “إذا ألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل”. والسنة الصحيحة المحكمة حجة وقاضية على التعامل، لا أن التعامل قاض على السنة، لا فرق عندنا في ذلك بين عمل أهل المدينة وبين علمهم وعمل غيرهم من البلاد الإسلامية، مع أن عمل المسلمين في الزمن النبوي وعمل الخلفاء وسائر الصحابة والتابعين بعده ﷺ كان على التراص والتضام وعدم إبقاء الفرجة مطلقاً، ولا يعتد بعمل الناس بعد الصدر الأول، ولا يكون أدنى مشقة في إلزاق المنكب بالمنكب مع إلزاق القدم بالقدم، فنحن نفعل ذلك في الجماعة عملاً بالحديث واتباعاً للسنة من غير ممارسة وكلفة، ومن غير أن نفرج بين القدمين أزيد مما نفرج في حال الانفراد، لكن لا يسهل ذلك إلا على من يحب السنة وصاحبها، ويترك التحيل لترك العمل بها وأما المقلد الذي عمت بصيرته، فيشق عليه كل سنة إلا ما كان موافقاً لهواءه، هدى الله تعالى هؤلاء المقلدين ووفقهم للعمل بالسنن النبوية الصحيحة الثابتة، وترك التأويل والتحريف.

وقال أيضاً:

(وتراصوا) بضم الصاد المهملة المشددة. وأصله تراصوا، أي تضاموا وتلاصقوا حتى تتصل مناكبكم وأقدامكم في الصف، ولا يكون بينكم خلل وفرج. من رص البناء ألصق بعضه ببعض. ومنه قوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ [الصف:4]

13

عون المعبود شرح سنن أبي داوود

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي”، وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ.

وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ عَنْ أَنَسٍ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ فَصَرَّحَ فِيهِ بِتَحْدِيثِ أَنَسٍ لِحُمَيْدٍ وَفِيهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي آخِرِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ: “وَكَانَ أَحَدُنَا..” إِلَى آخِرِهِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهَا مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ بِلَفْظِ قَالَ أَنَسٌ: “فَرَأَيْتُ أَحَدَنَا..” إِلَى آخِرِهِ، وَأَفَادَ هَذَا التَّصْرِيحُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمَذْكُورَ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَبِهَذَا يَتِمُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى بَيَانِ الْمُرَادِ بِإِقَامَةِ الصَّفِّ وَتَسْوِيَتِهِ وَزَادَ مَعْمَرٌ فِي رِوَايَتِهِ وَلَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ بِأَحَدِهِمُ الْيَوْمَ لَنَفَرَ كَأَنَّهُ بَغْلٌ شَمُوسٌ. انْتَهَى.

قَالَ فِي التَّعْلِيقِ الْمُغْنِي فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِيهَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى اهْتِمَامِ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ وَأَنَّهَا مِنْ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ بَعْضُ عَلَى بَعْضٍ وَلَا يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَعَلَى أَنَّهُ يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ وَرُكْبَتَهُ بِرُكْبَتِهِ لَكِنِ الْيَوْمَ تُرِكَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ وَلَوْ فُعِلَتِ الْيَوْمَ لَنَفَرَ النَّاسُ كَالْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

14

الشيخ محمد بن آدم الأثيوبي -رحمه الله-

وذهب أبو محمد ابن حزم رحمه الله إلى فرضيته، وبطلان الصلاة بتركه، فقال: “وفرض على المأمومين تعديل الصفوف الأُوَل والتراص فيها، والمحاذات بالمناكب والأرجل، فإن كان نقص كان في آخرها، ومن صلى وأمامه في الصف فرجة يمكنه سدها بنفسه فلم يفعل بَطُلت صلاته”.

واستدل على ذلك بحديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-: “لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم” [المتقدم 25/ 810] قال: وهذا وعيد شديد، والوعيد لا يكون إلا في كبيرة من الكبائر، ثم ذكر قول أنس رضي الله عنه: كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه لقدمه. وهو في صحيح البخاري. ثم قال: وهذا إجماع منهم، ثم قال: وبقولنا يقول السلف الطيب، الكتاب: شرح سنن النسائي المسمى «ذخيرة العقبى في شرح المجتبى».

رواه سَعِيد بن منصور, وصرح فيه بتحديث أنًس لِحُمَيْد , وصرح بأن الزيادة التي في آخره, وهي قوله: “وكان أحدنا..” إلى آخره من قول أنس، وأخرجه الإِسماعيليّ بلفظ قال: “فلقد رأيت أحدنا..” إلى آخره، وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبيّ ﷺ، وبهذا يتم الاحتجاج به علي بيان المراد بإقامة الصف وتسويته، وزاد معمر في روايته: لو فعلت هذا اليوم بأحدهم لنفر كأنه بغل شموس، ومرَّ الكلام على أوله.

[كوثَر المَعَاني الدَّرَارِي في كَشْفِ خَبَايا صَحِيحْ البُخَاري لمحمَّد الخَضِر بن سيد عبد الله بن أحمد الجكني الشنقيطي]

15

كتبه‘
أبو عائشة الحسن بن علي

مطوية مختصرة جاهزة للطباعة

  • النوع: مطوية

  • المحتوى: الأحاديث النبوية، أقوال أهل العلم مختصراً، بالإضافة إلى أحكام في الوقوف بين السواري (الأعمدة) بالمسجد، ووقوف الطفل غير المميز بالصف.

  • مقاس الطباعة: A4

  • حجم الملف: 0.54 ميجابايت

ملصق للطباعة والتعليق بالمساجد

  • النوع: ملصق

  • المحتوى: الأحاديث النبوية، بالإضافة إلى رسم وتعليمات للهيئة الصحيحة للصف المستوي.

  • مقاس الطباعة: A4 / A3

  • حجم الملف: 0.3 ميجابايت