ذكر ابن قدامة المقدسي -رحمه الله تعالى- في كتابه “التوَّابِين” [1] عن عبد الواحد بن زيد، قال:
كُنا في سَفِينة فألقتنا الريح إلى جزيرة، فنزلنا فإذا فيها رجلٌ يعبدُ صَنماً، فَأقبلنا إليه، وقُلنا له:

يا رجل من تعبد؟

فأشار إلى صنم.

فقلنا:

معنا في السفينة من يصنع مثل هذا، فليس هذا إلهاً يُعبد.

قال:

أنتم من تعبدون؟

قلنا:

نعبد الله

قال:

وما الله؟

قلنا:

الذي في السماء عرشه، وفي الأرضِ سُلطانهُ، وفي الأحياءِ والأمواتِ قضاؤهُ.

قال:

وكيف علمتم به؟

قلنا:

وجَّه إلينا هذا الملكُ العظيمُ الخالق الجليل رسولاً كريماً، فأخبرنا بذلك.

قال:

فما فعل الرسول؟

قلنا:

أدى الرسالة، ثُم قَبَضَهُ الله إليه.

قال:

فما ترك عِندَكُم من عَلامة؟

قلنا:

بلى، ترك عِندنا كتاباً من الملك.

قال:

أروني كِتاب المَلِك، فينبَغِي أن تَكون كُتُب المُلُوكِ حساناً.

فأتيناه بالمصحف، فقال:

ما أعرِفُ هذا!

فقرأنا عليه سورةً من القُرآن، فَلم نَزَلْ نَقرأُ وهو يَبكي، حتى ختمنا السورة، فقال:

يَنبَغِي لصَاحِب هذا الكلامِ ألَّا يُعصى!

فأسلم.
ثم علّمناهُ شرائع الإسلام، وسوراً من القرآن، وأخذناه معنا في السفينة.
فلما سِرنا وجنَّ علينا الليلُ وصلينا العشاء وأخذنَا مَضاجِعنا، قال:

يا قوم! هذا الإله الذي دللتموني عليه، إذا أظْلَمَ الليلُ يَنَام؟

قلنا:

لا يا عبد الله، هو عظيمٌ قيومٌ لا يَنام.

قال:

بِئسَ العَبِيد أنتُم! تَنامُون ومولاكُم لا يَنام.

فأعْجَبَنا كَلامُه.
فلما وصلنا لبلدنا “عبادان” [2]، قلت لأصحابي بأن هذا جديد عهد بالإسلام، وغريب في البلد، فجمعنا له الدراهم، وأعطيناه إياها.

قال:

ما هذا؟

فقلنا:

تنفقها في حوائجك.

قال:

لا إله إلا الله، أنا كنت في جزائر البحر أعبُد صنماً من دونه ولم يضيعني، أفيُضيِّعُني وأنا أعبُده؟!

فلما كان بعد أيام قيل لي: إنه في الموت، فأتيته فقلت له:

هل لك من حاجة؟

قال:

قضى حوائجي من جاء بكم إلى جزيرتي.

قال عبد الواحد: فحملتني عيني فنمت عنده، فرأيت مقابر “عبادان” روضة، وفيها قُبَّة وفي القبة سرير عليه جارية لم ير أحسن منها، فقالت:

سألتك بالله إلا ما عجلت به فقد اشتد شوقي إليه.

فانتبهت، وإذا به قد فارق الدنيا.
فقمت إليه فغسَّلته وكفنته وواريته، فلما جنَّ الليل نِمتُ، فرأيته في القبة مع الجارية وهو يقرأ: ﴿وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد: 23-24]

الهوامش

[1]

كتاب التوّابين لابن قدامه [ص: 179 > 180] المصدر

[2]

عبادان: جزيرة تقع في محافظة خوزستان جنوب غرب إيران حالياً