الحمد لله و كفى وسلام على عباده الذين اصطفى. يثير النصاري هذه المسألة و كثيراً ما يتشدقون بها و هي (رضاعة الكبير).
أولاً
الحديث الأول الذي نذكره والذي أحل فيه النبي رضاعة الكبير هو حديث سهلة بنت سهيل زوجة أبي حذيفة بن عتبة. موطأ مالك رقم [1265] حدثني يحيى عن مالك عن بن شهاب أنه سئل عن رضاعة الكبير، فقال: أخبرني عروة بن الزبير أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان من أصحاب رسول الله ﷺ وكان قد شهد بدراً، وكان تبنى سالماً الذي يقال له سالم مولى حذيفة، كما تبنى الرسول ﷺ زيد بن حارثة وأنكح أبو حذيفة سالماً -وهو يرى أنه ابنه- أنكحه بنت أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهي يومئذ من المهاجرات الأُوَل، وهي من أفضل أيامَىَ قُريش، فلما أنزل الله تعالى في كتابه في زيد بن حارثة ما أنزل فقال:
﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ﴾
[الأحزاب : الآية 5]
رُدَّ كُل واحد من أولئك إلى أبيه، فإن لم يُعلم أبوه، رُدَّ إلى مولاه، فجاءت سهلة بنت سهيل وهي امرأة أبي حذيفة -وهي من بني عامر بن لؤي- إلى رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله كنا نرى سالماً ولداً، وكان يدخل علي وأنا فضل وليس لنا إلا بيت واحد، فماذا ترى في شأنه؟، فقال لها رسول الله ﷺ: أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها وكانت تراه ابنا من الرضاعة فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال، وأبى سائر أزواج الرسول ﷺ أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس، وقلن لا والله ما نرى الذي أمر به رسول الله ﷺ سهلة بنت سهيل إلا رخصة من رسول الله ﷺ في رضاعة سالم وحده، لا والله لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد، فعلى هذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في رضاعة الكبير.
كيف تتم رضاعة الكبير؟؟ وهل يُرىَ بذلك عورة المرأة؟
الإجابة على هذا السؤال تذكرني بالنكتة مصرية التي تقول: (أن رجلا أراد شرب اللبن البقري ساخنا فأشعل النار في البقرة!).
فهل يشترط لمن يشرب اللبن البقري أو الجاموسي انه ينزل تحت الجاموسة ليشرب مباشرة من ثديها؟؟!!!
عفواً، أعتذر عن هذا المثال ولكن ما بالك إذا كنت تتعامل مع النصارى!
عموماً نقول أن مباشرته للمرأة غير واردة و إنما يتم حلب اللبن و يشربه دون أن يرى عورتها، وما ثبت بخصوص رضاعة سالم و هو كبير من قبل التي ربته سهلة بنت سهيل هو أنها حلبت لبنها في وعاء وأعطته ليشرب من الوعاء، و هذا ثابت في طبقات ابن سعد ترجمة سهلة بنت سهيل.
راجع: الطبقات الكبرى – محمد بن سعد – ج ٨ – الصفحة ٢٧١
ثانياً
لماذا جاء الإسلام برضاعة الكبير؟
الناظر لحديث سهلة سيعرف لماذا، لأن سهلة نفسها تقول كنا نرى سالماً ولداً وكان يدخل علي وأنا فضل وليس لنا إلا بيت واحد فماذا ترى في شأنه (أي أنه كان ابنها بالتبني) فلما حرّم الإسلام هذا التبني كان لابد من مرحلة انتقالية، كذلك سهلة هي التي قامت بتربية سالم فكان عندها مثل ولدها و عز عليها فراقه.
ثالثاً
هل معني ذلك أن الأمر كان خاصاً بسهلة؟
نعم كان الأمر خاصاً بسهلة، وأما ما أخذت به أم المؤمنن عائشة رضي الله عنها اجتهادٌ لها فيه أجر واحد لأنها خالفت ما نص عليه النبي ﷺ كما سيتبين من النصوص وكذلك خالفت إجماع أمهات المؤمنين الوارد في الحديث السابق.
رابعاً
هل تحل رضاعة الكبير الآن؟
لا تحل، والدليل أنها لا تحل بعد الحولين؛ لما قاله:
أولاً: (علي ابن أبي طالب – ابن عباس – ابن مسعود – جابر – ابن عمر – أبو هريرة – أم سلمة- سعيد بن المسيب – عطاء – الشافعي – مالك (رغم أنه اخرج الحديث في الموطأ)- أحمد – إسحاق – الثوري).
ثانياً: باب من قال لا رضاعة بعد الحولين
هل اسم الباب واضح؟
لماذا لا تجوز الرضاعة بعد الحولين؟
لأن النبي ﷺ قال (إنما الرضاعة من المجاعة) أي أن الرضاعة التي تحرم هي ما كانت في فترة صغر الطفل كي يكون هذا اللبن سبب في بناء لحمه فتكون المرضعة قد أنبتت من لبنها لحم الطفل كما الأم تنبت من رحمها لحم الطفل فتكون المرضعة كالأم في هذا الحين.
هل لهذا الدليل شواهد؟ أم أنه مجرد استنتاج؟
الشاهد من حديث ابن مسعود حين قال:
قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ، وأَنْبَتَ اللَّحْمَ
صحيح أبي داود
و من حديث أم سلمة أنها قالت:
قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ، وكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ
رواه الترمذي، وصححه هو والحاكم
وعلى هذا فإننا نقول أن الإجماع من أمهات المؤمنين و الصحابة رضي الله عنهم والتابعيين والأئمة أن رضاعة الكبير خاصة بسهلة و سالم مولاها. وأنها ما أحلها الله إلا رحمة بالأُمّة في أمر احتجاب النساء عن أبنائهم الذين قاموا بتربيتهم لما نزل أمرُ النهي عن التبني.
كتبه‘ أبو عائشة الحسن بن علي