مصدر
﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾
[المؤمنون:109]
فائدة وتفسير
﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ○ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ○ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون:107-109]
قال ابن كثير في تفسيره:
ثم قالوا: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ أي: ردنا إلى الدار الدنيا، فإن عدنا إلى ما سلف منا، فنحن ظالمون مستحقون للعقوبة، كما قالوا: ﴿فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ○ ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير﴾ [غافر : 11 ، 12] أي: لا سبيل إلى الخروج؛ لأنكم كنتم تشركون بالله إذا وحده المؤمنون.
ثم قال -سبحانه -: ﴿قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون:108] هذا جواب من الله تعالى للكفار إذا سألوا الخروج من النار والرجعة إلى هذه الدار، يقول : ﴿اخسئوا فيها﴾ أي: امكثوا فيها صاغرين مهانين أذلاء. ﴿ولا تكلمون﴾ أي: لا تعودوا إلى سؤالكم هذا، فإنه لا جواب لكم عندي.
قال العوفي، عن ابن عباس: ﴿اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ قال: هذا قول الرحمن حين انقطع كلامهم منه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبدة بن سليمان المروزي، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو قال: إن أهل جهنم يدعون مالكاً، فلا يجيبهم أربعين عاماً، ثم يرد عليهم: إنكم ماكثون. قال: هانت دعوتهم والله على مالك ورب مالك. ثم يدعون ربهم فيقولون: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ○ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ [المؤمنون:106-107] قال: فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين، ثم يرد عليهم: ﴿اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ قال: والله ما نبس القوم بعدها بكلمة واحدة، وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم. قال: فشبهت أصواتهم بأصوات الحمير، أولها زفير وآخرها شهيق. وقال أيضا: حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، حدثنا أبو الزعراء قال: قال عبد الله بن مسعود: إذا أراد الله ألا يخرج منهم أحدا يعني: من جهنم غير وجوههم وألوانهم، فيجيء الرجل من المؤمنين، فيشفع فيقول: يا رب. فيقول: من عرف أحدا فليخرجه. فيجيء الرجل فينظر فلا يعرف أحدا فيقول: أنا فلان. فيقول: ما أعرفك، قال: فعند ذلك يقول: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾، فعند ذلك يقول: ﴿اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ﴾. وإذا قال ذلك، أطبقت عليهم فلا يخرج منهم بشر.
[تفسير ابن كثير، الآيات من 107 إلى 108 من سورة المؤمنون]
ثم ذكر الحال التي أوصلتهم إلى العذاب، وقطعت عنهم الرحمة فقال: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ فجمعوا بين الإيمان المقتضي لأعماله الصالحة، والدعاء لربهم بالمغفرة والرحمة، والتوسل إليه بربوبيته، ومنته عليهم بالإيمان، والإخبار بسعة رحمته، وعموم إحسانه، وفي ضمنه، ما يدل على خضوعهم وخشوعهم، وانكسارهم لربهم، وخوفهم ورجائهم.
[تفسير السعدي، آية 109 من سورة المؤمنون]