متن الرسالة
بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ، أسال الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة وأن يجعلك مُباركًا أينَما كنت، وأن يجعلك ممن إذا أُعطي شكر، وإذا اُبتُلي صبر، وإذا أذنبَ استغفر؛ فإن هؤلاء الثَّلاث عنوانُ السَّعادة.
اعلم أرشدَك الله لطاعتِه أنَّ الحنيفيةَ ملةَ إبراهيمَ، أن تعبدَ الله وحدَه مخلصًا له الدِّين، كما قال -تعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون﴾ [الذاريات:56] فإذا عرفتَ أنَّ الله خلقكَ لعبادتِه؛ فاعلم أنَّ العبادةَ لا تُسمى عبادةَ إلا مع التَّوحيدِ، كما أن الصٍَلاةَ لا تُسمى صلاةً إلا مع الطَّهارة، فإذا عرفت أن الشركَ إذا خالطَ العبادةَ؛ أفسدها وأحبطَ العملِ، وصار صاحبُه من الخالدين في النَّار، عرفت أنَّ أهمَّ ماعليك معرفةُ ذلك؛ لعل الله أن يخلصَّك من هذه الشَّبَكةِ وهي الشِّركُ بالله الَّذي قال الله -تعالى- فيه: ﴿إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء:48] وذلك بمعرفةِ أربع قواعد ذكرها الله -تعالى- في كتابِه.
القاعدة الأولى
أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله ﷺ مُقِرُّونَ بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر وأن ذلك لم يدخلهم في الإسلام، والدليل قوله تعالى:
﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس:31]
القاعدة الثانية
أنهم يقولون ما دعوناهم وتوجّهنا إليهم إلا لطلب القربة والشفاعة، فدليل القربة، قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر:3]، ودليل الشَّفاعة قوله تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس:18]، والشفاعة شفاعتان:شفاعة منفية، وشفاعة مثبتة.
فالشفاعة المنفية: ما كانت تُطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله والدليل قوله -تعالى-:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة:254]
والشفاعة المثبتة: هي التي تُطلب من الله، والشافعُ مكرم بالشفاعة، والمشفوع له مَن رضي اللهُ قولَه وعملَه بعد الإذن كما قال -تعالى-:
﴿مَن ذَا ٱلَّذِي يَشفَعُ عِندَهُۥ إِلَّا بِإِذنِهِ﴾ [البقرة:255]
القاعدة الثالثة
أنّ النّبيّ ﷺ ظهر على أناس مُتفرّقين في عباداتهم، منهم مَن يعبد الملائكة، ومنهم مَن يعبد الأنبياء والصّالحين، ومنهم مَن يعبد الأشجار والأحجار، ومنهم مَن يعبد الشمس والقمر، وقاتَلهُم رسول الله ﷺ، ولم يُفرِّق بينهم، والدّليل قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتّىَ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لله﴾ [الأنفال: 39]، ودليل الشّمس والقمر قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون َ﴾ [فصلت: 37]، ودليل الملائكة قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا المَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيّينَ أَرْبَابًا…﴾ [آل عمران:80] الآية، ودليل الأنبياء قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ …﴾ [المائدة: 116] الآية، ودليل الصّالحين قوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: 57]، ودليل الأشجار والأحجار قوله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالعُزَّى ○ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى﴾ [النّجم: 19-20]، وحديث أبي واقد اللّيثي رضي الله عنه قال: “خرجنا مع النّبيّ ﷺ إلى حُنينٍ ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سِدرة، يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذاتُ أنواطٍ” الحديث.
القاعدة الرابعة
أنّ مشركي زمانِنا أغلظُ شِركًا مِن الأوّلِين؛ لأنّ الأوّلين يُشركون في الرّخاء ويُخلِصون في الشّدّة، ومشركوا زمانِنا شركُهم دائمٌ في الرّخاء وفي الشّدّة، و الدّليل قوله تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت:65]
تمّت وصلّى الله على مُحَمَّدٍ و على آله وصحبه وسلّم.
المقاس: 620×3375 بكسل
الحجم: 2.71 م.ب.
الصيغة: PDF
شرح المتن مسموعاً
لفضيلة الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر -حفظه الله-
ويليه مختصر الشرح مكتوباً