في هذا الدرس

ماخُلِقَ هذا الإنسانُ باطلًا، ولن يُترَكَ سُدىً؛ بل خلقَه اللهُ -عزَّ وجلَّ- ليأمُرَه وينهاه وبعثَ النَّبِيِّين مُبشرينَ ومُنذرين، ودُعاةً إلى العبادِ إلى طاعةِ ربِّ العالمين، وإفرادِه بالعبادة وإخلاصِ الدِّينِ له.

فضيلة الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

مختصر شرح الشيخ [*]

بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمدُ لله ربِّ العالمين والصَّلاةُ والسَّلامُ على عبدِ اللهِ ورسولِه نبيِّنا مُحمَّد وعلى آلِهِ وصحبِه أجمعين أمَّا بعد:-

فيقول شيخ الإسلام بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- في رسالته (واجبنا نحو ما أمرنا الله به)، قال:

قال -رحمه الله تعالى-:

المتن (الجزء 1 من 8)

إذا أمرَ الله العبدَ بأمرٍ وجبَ عليهِ فيهِ سبعُ مراتب:

  • 1
    الأُولَى: العِلْمُ بِهِ.
  • 2
    الثَّانِيَةُ: مَحَبَّتُهُ.
  • 3
    الثَّالِثَةُ: العِزْمُ عَلَى الفِعْلِ.
  • 4
    الرَّابِعَةُ: العَمَلُ.
  • 5
    الخَامِسَةُ: كَوْنُهُ يَقَعُ عَلَى الَمشْرُوعِ خَاِلصاً صَواباً.
  • 6
    السَّادِسَةُ: التَّحْذِيرُ مِنْ فِعْلِ مَا يُحْبِطُه.
  • 7
    السَّابِعَةُ: الثَّبَاتُ عَلَيْهِ.

إِذَا عَرَفَ الإِنْسَانُ: أَنَّ الله أَمَرَ بِالتَّوْحِيدِ، وَنَهَى عَنِ الشِّرْكِ، أَوْ عَرَفَ: أَنَّ الله أَحَلَّ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّباَ؛ أَوْ عَرَفَ أَنَّ الله حَرَّمَ أّكْلَ مَالِ اليَتِيمِ، وَأَحَلَّ لِوَلِيِّهِ أّنْ يَأْكُلَ بِالمعْرُوفِ إِن كَانَ فَقِيراً، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ المأْمُورَ بِهِ وَيَسْأَلَ عَنْهُ إِلَى أَنْ يَعْرِفَهُ، وَيَعْلَمَ المنْهِيَّ عَنْهُ، وَيَسْأَلَ عَنْهُ إِلَى أَنْ يَعْرِفَهُ.

وَاعْتَبِرْ ذَلِكَ بِالمسْأَلَةِ الأُولَى، وَهِيَ: مَسْأَلَةُ التَّوْحِيدِ، وَالشِّرْكِ.

بسم اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسوُلُه-صلَّى الله وسلَّمَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِه أجمعين، أمَّا بعد:

فهذه الرِّسالةُ الَّتي بين أيدينا رسالةُ عظيمةُ النَّفعِ، كبيرة الفائدة، تمَسُّ الحاجةُ إليها؛ لأنَّ هذه الرِّسالة تضمَّنت التَّنبيه على أمورٍ سبعةٍ عظيمة واجب على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ أن يحققها تجاه كلِّ ما أمرَ الله -سبحانه وتعالى- عبادَه به.
ومن المعلومِ أنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- خلقَ الخلقَ؛ ليعبدوه، وأوجدَهم -سبحانَه وتعالَى- ليطعوه ويفردوه وحدَه بالعبادةِ كما قال -جلَّ وعَلا-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56] ماخُلِقَ هذا الإنسانُ باطلًا، ولن يُترَكَ سُدىً؛ بل خلقَه اللهُ -عزَّ وجلَّ- ليأمُرَه وينهاه، وبعثَ -جلَّ وعلا- النَّبِيِّين مُبشرينَ ومُنذرين، ودُعاةً إلى العبادِ إلى طاعةِ ربِّ العالمين، وإفرادِه -سبحانه وتعالَى- بالعبادة وإخلاصِ الدِّينِ له؛

فالواجب على كلِّ مَسْلمٍ ومُسْلِمَةٍ أنْ يَعِيَ هذا الأمرَ تمامًا، وأن يَعِيَ أيضًا المطلوبَ منه تجاه ما أمرَه اللهُ به، وتجاه ما نهاه الله عنه، وأعظم ما أمرَ به هو التوحيدُ، وأعظم ما نهى الله عنه هو الشِّرك.

وفي هذه الرِّسالة الَّتي بينَ أيدينا يضع الإمامُ شيخ الإسلام مُحَمَّد بن عبد الوهاب النِّقاطَ على الحروفِ؛ فهذه الرِّسالة جمعت بإيجاز نافع وتلخيصٍ بديع ما يجبُ علينا تجاه ما أمرَنا الله به، وما نهانا عنه، وذكرَ أنَّ المراتب الواجبة في ذلك سبعُ مراتب، وهذه المراتب الَّتي ذكرها حَرِيٌّ بكل مسلمٍ ومسلمة أن تَعْظُمَ عنايتُه بها؛ حفظًا لها، وفَهمًا للمراد بها وعملًا بذلك، ثُمَّ من بعدِ ذلك دعوةً ونشرًا لهذا الخير، وممَّا أوصي به في هذا المقامِ الدُّعاةَ والخطباءَ وأئمةُ المساجد أن يعتنوا بهذه الأمورِ السَّبعةِ عنايةً جيدة، يوصلوها إلى النَّاس، ويوضحوها لهم؛ لأنَّ كثيرا من الناسِ -كما سيأتي معنا- في غفلةٍ تامة عن هذه الأمور أو عن كثيرٍ منها، لاسيَّما مع كثرةِ الصَّوارفِ وتنوع الصَّواد وكثرة الشواغلِ الَّتي أذهلت وشغلت الكثير من النَّاسِ عن هذه الواجبات العظيمة المُتحتِّمةِ على كل مسلمٍ ومسلمة.

قال -رحمه الله تعالى-: إذا أمر الله العبدَ بأمرٍ، وجبَ عليه فيه سبعُ مراتبٍ

والمراتب السّبعة الّتي يذكرها -رحمه الله تعالى- ذكرَها مُرتَّبةً ترتيبًا دقيقًا سَيُعتنَى بالإتيانِ بها في ضوءِ التّرتيبِ الَّذي ذكره -رحمَه اللهُ تعالى- ويُعتنى أيضًا بالوقتِ نفسِه بفَهم كلِّ مرتَبةٍ من هذه المراتبِ وبعض الأدلة على كلِّ مرتبةٍ، ثُمَّ فَهمٌ للواقع؛ واقع كثيرٍ من النَّاس وما عندهم من غفلةٍ أو شرودٍ أو بُعدٍ عن هذه المراتب العظيمة الَّتي تجبُ علينا أجمعين تجاه ما أمرنا الله - سبحانه وتعالى- به.

قال: المرتبة الأولى: العلمُ به

والعلم بدأ به لأنه أوَّلُ ما يُبدأ به؛ فالعِلمُ قبل القول والعمل، كما قال الله -جلَّ وعلا- ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: 19] فبدأ بالعلم قبل القولِ والعمل، والعلم به يُبدأ؛ لأنَّ بالعلم يُميِّزُ المرءُ بين الحقِّ والباطلِ، والهدى والضّلال، والكفرِ والإيمانِ، والسُّنًّةِ والبدعة، فلا يمكن أن يميز بين هذه الأشياء إلا بالعلمِ.

والمرادُ بالعلم أي العلم المُستمدُ مِن كتاب الله وسُنَّةِ نبيه ﷺ وهو العلم الذي إذا أخذ به المرءُ لن يضلَّ: "تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتم بهِ؛ لن تضلوا بعدي أبدا، كتابَ الله وسُنَّتي" [1] فمن كان آخذا بهذا العلم؛ فهو على المحجةِ البيضاء، وطريقَةٍ واضحةٍ بيِّنة.

وقد جاءت النُّصوص في كتاب الله وسُنَّة نبيه ﷺ حاثةً على هذا العِلمِ مرَغِّبةً فيه، مُبيِّنَةً مكانَه وفضلَه وعظيمَ شأنِه. بل ممَّا قاله العلماء -رحمهم الله-: "ينبغي على كلّٓ مسلمٍ أن يكونَ له حظٌّ من العلمِ الشَّرعي كلّ يومٍ من الأيام، بحيث يتعاهد نفسَه ألا تغيب عليه شمسُ يومٍ من الأيام إلا وأن يكون له نصيبٌ من العلم!"

لماذا؟ لأنَّ العلمَ الشَّرعيَّ هدفٌ من أهدافِ المُسلمِ في كلِّ يومٍ من أيامِه، ينبغي أن يكون له حظٌّ من العلم.

كيف عرفنا ذلك؟ من نصوصٍ عديدةٍ، منها تلك الدَّعوة المُباركة العظيمة الميمونة الَّتي كان نبينا -عليه الصَّلاة والسَّلام- يدعو بها كلَّ يومٍ بعد صلاةِ الصُّبح بعد أن يُسلِّم "اللَّهُمَّ إنِّي أسألُك علمًا نافعًا ورزقًا طيِّبًا وعملًا مُتَقَبَّلا" [2] هذه الثَّلاثُ الَّتي جمعها النَّبيُّ الكريمُ ﷺ في هذه الدَّعوة الَّتي يدعو بها كلَّ يومٍ بعد صلاةِ الصُّبحِ، يدعو بها في مُستَهلِ اليومِ وبدايته، جمعت أهدافَ المسلمِ في يومِه. إذا تأملت أيُّها الأخُ الموفقُ في أهدافِ المسلمِ في يومِه، تجد أنها لا تتجاوز هذه الأهدافَ الثلاثة: علمٌ نافعٌ، رزقٌ طيِّبٌ، وعملٌ صالحُ.

فإذًا؛ من أهداف المسلم في يومه، بل من أولويات هذه الأهداف: العلمُ النَّافعُ، وبه بدأ ولهذا ممَّا يُستفاد من هذه الدَّعوة البدءُ بالعلمِ، وأنَّ العلمَ قبلَ القولِ والعملِ، قال: "اللَّهُمَّ إنِّي أسألُك علمًا نافعًا" ثمَّ بعد ذلك جاء سؤالُ الرِّزق الطَّيِّب، وسؤال العمل المُتَقَبَّل، وفي روايةٍ: "عملا صالحًا"، فإذاً ينبغي على المسلم أن يكونَ له حظٌّ يوميٌّ من التَّفقُّه في دينِ الله -تباركَ وتعالى-.

فأولُ واجبْ أوجبَه الله علينا تجاه ما أمرنا الله به: العلمُ به، وإذا لم يوجد العلمُ به؛ لم يوجد مابعده؛ وهذا مما يبين لكم أنَّ العلمَ أساسٌ؛ بوجودِه يُوجد ما بعده وبفقده يُفقد ما بعده، كيف يفعل ما أمر الله به وهو لا يعلمه؟ وهو لم يتعلمه؟ وكيف يترك ما نهاه الله -سبحانه وتعالى- عنه وهو لم يتعلمه؟؛ ولهذا قديماً قيل: كيف يتَّقي مَن لا يدري ما يتَّقي؟!

المرتبة الثانية : أن نُحبَّه.

أنْ نُحبَّه أي أن تنطوي قلوبُنا وصدورُنا على محبَّةٍ لهذا الَّذي أمرنا الله به، وأن نحذَرَ أشدَّ الحذرِ من أن يقومَ في قلوبِنا كراهة أو شيء من الكراهةِ لِمَا أمرَنا الله به، والله -جلَّ وعلا- لا يأمرُنا إلا بما فيه الخيرِ والسَّعادةِ والفلاحِ والصَّلاحِ في الدُّنيا والآخرة؛ فيجب على المُسلمِ أن يكونَ مُحبًّا لكلِّ ما أمره الله به ، يُحِبُّ التَّوحيدَ، يُحِبُّ الصَّلاةَ، يُحِبُّ الصِّيامَ، يُحِبُّ الزَّكاةَ، يُحِبُّ الحجَّ، يُحِبُّ البرَّ، يُحِبُّ الصِّدقَ، جميع ما أمره اللهُ -سبحانه وتعالى- به يكونُ في قلبهِ مَحبَّةً له، وفي الدُّعاءِ المأثورِ: "اللهم إني أسألُكَ حبَّكَ وحبَّ من يحبُّكَ، والعملٍ الذي يقرِّبُني إلى حُبِّكَ" [3] فالعمل الَّذي يُقرِّبُكَ إلى حبِّ الله يجب عليك أن تُحبَّه؛ لأنَّ سعادتك في هذا العمل، وإذا وُجدَت في قلبِكَ هذه المحبَّة للعمل تحرَّكت الجوارحُ بالعمل بذلك، كما قال : "إنَّ في الجسدِ مُضْغةً إذا صَلَحَت صلحَ الجسدُ كلُّه وإذا فسدت فسدَ الجسدُ كله ألا وهي القلبُ" [4].

سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: وأَهْوَى النُّعْمانُ بإصْبَعَيْهِ إلى أُذُنَيْهِ، إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهاتِ وقَعَ في الحَرامِ، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ مَحارِمُهُ، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ. صحيح مسلم 1599
الوصف لحديث: احتُبِسَ عنَّا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ذاتَ غداةٍ من صلاةِ الصُّبحِ حتَّى كدنا نتَراءى عينَ الشَّمسِ، فخرجَ سريعًا فثوِّبَ بالصَّلاةِ، فصلَّى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وتجوَّزَ في صلاتِهِ، فلمَّا سلَّمَ دعا بصوتِهِ فقالَ لَنا: علَى مصافِّكم كما أنتُمْ ثمَّ انفتلَ إلينا فقالَ: أما إنِّي سأحدِّثُكُم ما حبسَني عنكمُ الغداةَ: أنِّي قمتُ منَ اللَّيلِ فتوضَّأتُ فصلَّيتُ ما قُدِّرَ لي فنعَستُ في صلاتي فاستثقلتُ، فإذا أَنا بربِّي تبارَكَ وتعالى في أحسَنِ صورةٍ، فقالَ: يا مُحمَّدُ قلتُ: ربِّ لبَّيكَ، قالَ: فيمَ يختصِمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: لا أدري ربِّ، قالَها ثلاثًا قالَ: فرأيتُهُ وضعَ كفَّهُ بينَ كتفيَّ حتَّى وجدتُ بردَ أَناملِهِ بينَ ثدييَّ، فتجلَّى لي كلُّ شيءٍ وعرَفتُ، فقالَ: يا محمَّدُ، قلتُ: لبَّيكَ ربِّ، قالَ: فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: في الكفَّاراتِ، قالَ: ما هنَّ؟ قلتُ: مَشيُ الأقدامِ إلى الجماعاتِ، والجلوسُ في المساجدِ بعدَ الصَّلاةِ، وإسباغُ الوضوءِ في المَكْروهاتِ، قالَ: ثمَّ فيمَ؟ قلتُ: إطعامُ الطَّعامِ، ولينُ الكلامِ، والصَّلاةُ باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ. قالَ: سَل. قُل: اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ فعلَ الخيراتِ، وتركَ المنكراتِ، وحُبَّ المساكينِ، وأن تغفِرَ لي وترحمَني، وإذا أردتَ فتنةً في قومٍ فتوفَّني غيرَ مفتونٍ، وأسألُكَ حبَّكَ وحبَّ من يحبُّكَ، وحبَّ عملٍ يقرِّبُ إلى حُبِّكَ، قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: إنَّها حقٌّ فادرُسوها ثمَّ تعلَّموها. صحيح الترمذي: 3235
علامة مرجعية (1)

قال: المرتبة الثالثة: العزم على الفعل

والعزم مكانه القلب، كما أنَّ أيضًا المَحبةً مكانُها القلب؛ فيعزم على العمل به، يتعلمه، يحبُّه، يعقد في قلبِه عزمًا على العملِ به. بعضُ النَّاس قد يعرف الخير ويكون في قلبِه شيءٌ من المحبَّة له لكنَّه لا يعقد عزمًا على العملِ به. فالمرتبة الثالثة: العزم على العمل.

ومن الدّعوات العظيمة الثابتة عن نبينا ﷺ : "اللَّهُمَّ إنِّي أسألُك الثَّباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ على الرُّشدِّ" [5] فإذا عرف الحقَ وعرف الرُّشدَ، وعرف الهدى؛ يعقد في قلبِه عزيمةً على أن يعملَه؛ لأن مِن النَّاسِ مَن يعرف ولا يعزم على العمل بما عرفَه من الخير .

المرتبةُ الرَّابعة: العمل

أي أن يعملَ بهذا الشَّيءَ الَّذي أمرَه الله -سبحانه وتعالى- به.

وأعظمُ ذلك كما قدمتُ، توحيدُ الله -تعالى- والعملُ به، بالصَّلاة بالصِّيام بالزَّكاة، بالحجِّ، بالذي أمرَ الله - سبحانه وتعالى- به .فإذًا؛ علمٌ، ثُمَّ المحبة، ثم العزم، ثم العمل بما أمرَه الله -سبحانه وتعالى- به.

بعد ذلك .

المرتبة الخامسة: (كونُه -أيُ العملُ- يقع على المشروعِ خالصًا صوابًا)

وهذان شرطانِ؛ لا قبول لعملٍ من الأعمالِ إلا بهما:
- أن يكون العمل خالصًا لله،
- صوابًا على سُنَّةِ رسولِ الله -صلواتُ الله وسلامُه وبركاتُه عليه-،

وقد قال الله -سبحانه-: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110] قوله: "فليعمل عملاً صالحاً"، هذا المتابعة. وقوله: "ولا يشرك بعبادة ربه أحداً" هذا الإخلاص.

ومن جميلِ ما يُروى في هذا الباب: ما جاء عن الفُضيل بن عِياض -رحمه الله- في قوله تعالى: ﴿ليبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك: 2] قال: "أخلصُه وأصوبُه"، قيل: يا أبا علي وما أخلصُه، وما أصوبُه؟، قال: "العملُ إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا؛ لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا؛ لم يُقبل، حتَّى يكونَ خالصًا صوابًا؛ فالخالصُ ماكان لله، والصوابُ ماكانَ على السُّنَّةِ". [6]

فإذاً، إذا عرف الحقَ، وأحبَّه، وعزمَ على الفعلِ وعَمِلَ، يحرصُ على أن يقع هذا العملُ خالصًا لوجْهِ اللهِ؛ لا رياءَ فيه، ولا سُمعة، ولا إرادةً للدنيا بهذا العمل، ولا غير ذلك، بل يريدُ به وجه الله مخلصًا لله ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر: 3] ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5] والعملُ إن لم يقع على الإخلاص؛ رُدَّ على العاملِ ولم يُقبلْ. قال الله -جلَّ وعلا- في الحديث القدسي:"مَن عمِلَ عملًا أشرك معي فيه غيري تركتُه وشِرْكَه" [7]، وكذلك العمل إن لم يقع موافقًا للحقِ، للهُدى، لما كان عليه نبيُّنا -عليه الصلاة والسلام- رد على العامل، قال عليه الصلاة والسلام : "مَن عَملَ عملاً ليس عليه أمرُنا؛ فهو رَدٌّ" [8] أي مردود على صاحبِه غيرُ مقبولٍ منه.

الأمرُ السَّادس:(التحذيرُ من فعل ما يحبطه)

أن يكون على حذرٍ شديدٍ من محبطات الأعمال، أعظم محبطٍ للأعمال الشِّركُ بالله -سبحانه وتعالى- قد قال الله -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ الله فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ [الزمر: 65] فالشرك محبطٌ للعملِ، النفاقُ محبطٌ للعملِ ومبطلٌ له؛ فيحرص الإنسان بعد أن يقوم بعملٍ صالح أن يتجنبَ أي شيءٍ يحبطُ أعماله. ومعنى يحبطُها: يبطِلُها؛ يأتي بأعمالٍ كثيرةٍ قدَّمها ثم يَجِدُها باطلةً، قد ذَهبَت هباءً، لأنَّه فَعَلَ مُحبِطًا لتلكَ الأعمالِ.

ولقد كان شأن الصحابة في هذا الحذر شأن عجب، وذلك من قوه الإيمان لأن المؤمن قوي الإيمان صادق الإيمان قد جمع بين الإحسان في العمل ومخافةً شديدةً من رده وعدمِ قبوله. قال الحسن البصري -رحمه الله-: "المؤمن جمع بين إحسان ومخافة،والمنافق جمع بين إساءة وأمن" [9] المؤمن جَمَع بين إحسَان في العَملِ، وفي الوقت نفسه يخافُ أن يُرَدَّ العَمَل ولا يُقبَل.

وتأملوا في ذلك قول الله -سبحانه و تعالى- في وصف المؤمنين الكُمَّل، قال: ﴿والَّذين يُؤتون ما أتَوْا وقُلُوبُهم وَجِلَةٌ أنَّهم إلى ربِّهم رَاجِعون [المؤمنون: 60]، قُلُوبُهم وَجِلةٌ: أي خائفة من أن تُرد عليهم هذه الأعمال ولا تقبل منهم مع أنهم أحسنوا فيها، وفي المسند وغيره سألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- النبي ﷺ عن هذه الآية، قالت: أهو الرجل يسرق ويزني ويقتل ويخاف أن يعذب؟ فَهِمَت -رضي الله عنها- أن المعنى: يفعلون ما يفعلون من الذنوب وهم خائفون أن يُعذَّبوا، قال: "لا يابنة الصديق، ولكنه الرجل يَصُومُ ويُصلِّي ويَتَصدَّق، ويخاف ألا يقبل منهُ" [10]، والله سبحانه و تعالى يقول: ﴿إنَّما يتقبَّل اللهُ مِن المُتَّقين [المائدة: 27].

فإذًا من الأمور العظيمة المطلوبة من المسلم: أن يحذر من فعل ما يحبط عمله؛ لأنها مصيبة عظيمة أن يعمل إنسان ويَنْصَب ويَجِدَّ ويَجْتَهِدَ، ورُبَّما لسنواتٍ طوال، ثم يأتي بأمرٍ يحبط له عمله.

الأمر السابع أو المرتبة السابعة (الثبات عليه)

أي إلى الممات، قال الله تعالى: ﴿واعبد ربَّك حتَّى يأتِيَك اليَقِين [الحجر: 99] وقال الله-جل وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102] ومجاهدة النفس على ذلك والاستعانة بالرَّبِّ -جلَّ في علاه-: ﴿يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ الله الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ [إبراهيم: 27] فيجاهد نفسه على الثَّبات، وهذه المجاهدة تكون أولاً بالاستعانة بالرَّبِّ؛ لأن المُثبِّتَ هو الله -جل وعلا-، وثانياً: بمُجاهدةِ النَّفْسِ ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت: 69].

قال الشيخ -رحمه الله-:

إذا عَرَف الإِنْسان أنَّ الله أمَرَ بِالتَّوحيدِ ونَهى عنِ الشِّركِ، أو عَرَفَ أنَّ اللهَ أحلَّ البيع وحرَّم الرَّبا، أو عرف أن الله حرَّم أكْلَ مالِ اليَتيمِ وأَحلَّ لِوَلِيِّهِ أنْ يَأكُلَ بِالمعرُوفِ إنْ كانَ فَقِيرًا، وَجَبَ عليهِ أنْ يَعلمَ المَأمورَ بهِ، ويسألُ عنْهُ إلى أنْ يعْرِفَهُ، ويعْلَمَ المَنْهِي عنْهُ وَيسْألَ عنهُ إلى أنْ يَعْرَفهُ

هذا هُو الواجبُ الأَوَّل، بدَأ الٱن الشيخُ -رحمه الله تعالى- بالشَّرْحِ، فهذهِ المَرتبةُ الأُولَى بدأَ بها -رحمه الله- مِن قولهِ "وجبَ عليه أنْ يعلمَ المأمورُ بهِ" هذهِ المرتبةُ الأُولى، عرفتَ أنْ الله أمرَ بالتوْحيدِ وأنَّ التَوحيدَ أعظمُ شيءٌ أمرَ الله بهِ، وجبَ عليْكَ أنْ تعْرِفَ التوْحيدَ ماهوَ، وأيضاً أنْ تَكونَ معْرِفتُكَ بالتَّوحيدِ معرفةً صحيحةً؛ لأنَّهُ من المصائبِ العظيمةِ أنَّه ثمَّت أشياء تُعلَّم للناسِ و تُكتَبُ في الكُتُب وتلقى أيضاً في بعضِ الدروسٍ ويُقالُ أنَّها تَوحيدُ، بلْ إنَّهُ ثَمَّتَ مُصنَّفاتِ كُتبِ عَلْيهَا أَصْحابُها أنَّهاَ تَوْحَيد، ثُمَّ إِذا دَخلتَ فِي المَضامِين تَجِدُ أمُوراً مُخالفةً للتَّوْحيد، لِأَنَّ صَاحِبَ ذَلكَ الكِتَابِ إمَّا لَهُ مَسْلكٌ كَلامِي عَلَى طَرائِق المُتَكلِّمين، أوْ مَسْلك طُرقي صوفي؛ فتَجِدُ أنَّ هذِهِ الأُمورِ تدْخلُ في أشياء يُسَّمونُهَا تَوْحِيد وَهِي مُباينة لحقيقةِ التَّوْحِيدِ الذَّي بُعَثَ بِه النَّبَيوُّن عَلَيْهِمْ صَلَواتُ اللهِ وسَلاَمُه، وهذا مِمَّا يُعَظِّمْ الاهْتِمامِ بِهَذّا الأَمْرِ والعِنَايةِ بِهِ، بَأنْ يَعْرِفَ الإنْسان التَّوْحِيد مَعْرِفة صَحِيحة فِي ضَوْءِ كِتابِ اللهِ وسُنةِ نَبيِّه الكَريم ﷺ.

فيَقَولُ -رحمه الله تعالى- وجب عليه أن يعلم المأمور به، ويسأل عنه إلى أن يعرفه، سؤال حريص مهتم، راغب في الفائدة أشد الرغبة حتى يعرف المعرفة التامة الوافية، ومِنْ أنفَعِ ما يُنصح به في هذا الباب وأجوده كتاب بديع اسمه (التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) للمصنف نفسه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، ورَتَّبَهُ تَرتِيباً بَدِيعاً، وجعل له أبواباً، وتحت الأبواب آياتٍ وأحاديث، وبعد الأحاديث المسائل التي تُستفاد من هذه الآيات والأحاديث، كتابٌ عظيمُ النفع كبيرُ الفائدة في تَعلُّم التوحيد ومعرفته؛ فيحرص المسلم على تعلم التوحيد، ويجعل للتوحيد حظاً عظيماً من حياته. والله ثم والله إن التوحيد أجمل شيء في الدنيا، ومن الخسران العظيم أن يدخل الإنسان الدنيا ويخرج منها دون أن يعرف أو يذوق أجمل شيء فيها، وليس هذا فقط، بل يكون خسرانه هو الخسران المبين الذي لا أشد منه، فسعادة الدنيا والآخرة متوقفة عليه.

فحريٌ بالمسلم أن تَعظُم عِنايته بهذا التوحيد، ثم لا يكون حظُّ الإنسان من التوحيد مجلساً يَجلِسُه مع شيخ شهراً أو شهرين ثم يقول تعلمت التوحيد!، بل ينبغي أن يكون معتنياً به عناية مستمرة؛ انظر كيف أن الأذكار الشرعية الموظفة الراتبة في اليوم والليلة جاءت تُؤَصِّل في العبدِ التوحيدَ، وتُمَتِّنُ العقيدة في قلبه وترسخها في فؤاده. إذا قرأت آية الكرسي والأذكار المأثورة في أدبار الصلوات، انظر إلى التهليل الذي يُشرع لك أن تقوله دُبر كل صلاةٍ: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" [11] هذا كله تمكين وتمتين وتقوية للتوحيد وتجديد له؛ لأن التوحيد والإيمان تأتي أمور وتضعفه. "إن الايمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم" [12] إذاً هذه عملية تحتاج إلى عناية مستمرة ودائمة.

قال -رحمه الله-:

وجب عليه أن يعلم المأمور به ويسأل عنه إلى أن يعرفه ويعلم المنهي عنه ويسأل عنه إلى أن يعرفه.

مطلوب منا في هذا الباب نوعان من المعرفة:
- معرفة بالمأمور.
- ومعرفة بالمنهي.

أما المأمور فأن نعرفه ونتعلمه؛ لنعمل به، وأما المنهي، فإنا نعرفه ونتعلمه لنجتنبه. إذ كيف يَتَّقِي من لا يدري ما يَتَّقِي؟ كيف يتقي الشِّرْكَ من لا يدري ما هو الشِّرْكُ؟ وكيف يتقي البدعة من لا يدري ما هي البدعة؟ فيجب على الإنسان أن يعرف المأمور ليعمل به، وأن يعرف المنهي ليتجنبه ولِيحْذَرَ ويُحذِّر من الوقوع فيه.

علامة مرجعية (2)

المتن (الجزء 2 من 8)

وَاعْتَبِرْ ذَلِكَ بِالمسْأَلَةِ الأُولَى، وَهِيَ: مَسْأَلَةُ التَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ.

المرتبة الأولى : العِلمُ به

أَكْثَرُ النَّاسِ عَلِمَ أَنَّ التَّوْحِيدَ حَقٌّ، وَالشِّرْكَ بَاطِلٌ، وَلَكِنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَمْ يَسْأَلْ؛ وَعَرَفَ أَنَّ الله حَرَّمَ الرِّبَا، وَبَاعَ وَاشْتَرَى وَلَمْ يَسْأَلْ، وَعَرَفَ تَحْرَيمَ أَكْلِ مَالِ اليَتِيمِ، وَجَوازَ الأَكْلِ بِالمعْرُوفِ؛ وَيتَوَلَّى مَالَ اليَتِيمِ وَلَم يَسْأَلْ.

هذا الآن الأمر الأول بعد أن بينه -رحمه الله تعالى- وأشار إلى أهميته، قال: "اعتبر" أي من أجل أن تدرك مسيس الحاجة إلى هذا الأمر، اعتبر ذلك بالمسألة الأولى وهي مسألة التوحيد والشرك؛ لأنه ذكر عدة مسائل، اعتبر ذلك بالمسألة الأولى وهي مسألة التوحيد والشرك، أكثرُ الناس عَلِمَ أنَّ التوحيد حَقٌّ والشركَ بَاطِل، يعني هذا السؤال لو طُرح على كثير من الناس: ما رأيك بالتوحيد؟ يقول التوحيد زين و جميل وطيب. إذا قلت له: ما رأيك بالشرك: الشرك شين وقبيح وباطل، لكن إذا فتشت عن حاله هل تعلّم التوحيد؟ هل عرفه؟ هل عرف الشرك معرفة من أجل أن يَتَّقِيِه ويَحذَرَ منه؟ لو فتشت تَجِدُ كثيراً من الناس مفرطٌ في هذا الأمر؛ نعم يعرف أن التوحيد حق، وأن الشرك باطل، لكنه لم يعطِ شيئا من وقته لمعرفة التوحيد، ليعتني به ويعمل به، ولم يعطِ أيضا وقتاً للشرك ليعرفه؛ من أجل الحذر من الوقوع فيه.

قال: واعتبر ذلك بالمسألة الأولى، وهي مسألة التوحيد والشرك ، أكثر الناس علم أن التوحيد حق والشرك باطل ولكن أعرض عنه ولم يسأل.

"أعرض عنه" أي عن تعلم التوحيد، ودراسة التوحيد بل إن بعض الناس أصبح يستثقل دراسة التوحيد، وربما يستهجن ذلك من قلة إدراكه لهذا الأساس العظيم والأصل المتين الذي عليه قيام دين الله -تبارك وتعالى-.

إذاً؛ مع معرفه كثير من الناس بأن التوحيد حق وأن الشرك باطل، إلا أن كثير منهم يُعرض عن التعلم وعن السؤال. مثل ذلك، يعرف كثيرٌ من الناس الرِّبا أنه حرام، ولو تسأل: ما حكم الربا؟ يقول:حرام لا يجوز. لكنه لا يحرص على تعلم الربا ما هو، ولا أيضاً يحرص على تجنب الربا! بل بعضهم إذا أراد أن يدخل في تجارة معينة، وقيل له: تأكد، اسأل، يرفض أن يسأل؛ خشية أن يقال له أن فيه شيء من الحرام أو كذا، وهو لا يريد أن يُشاغَل في هذه التجارة التي هو مقبل عليها، فكثير من الناس معرض عن السؤال، يُتَاجِر ولا يُبَالي، لا يسأل عن حلالٍ أو حرامٍ.

قال:

باع واشترى ولم يسأل. وعرف تحريم أكل مال اليتيم و جواز الأكل بالمعروف ويتولى مال اليتيم ولم يسأل.

يعني لم يسأل كيف يكون تولي مال اليتيم؟ وما القدر الذي يَجوزُ الأكل من مال اليتيم للشخص الذي تولاه إذا كان فقيراً؟ فلا يسألُ عَن ذَلِك، ولا يَتَحرّى؟ فيأكل من مال اليتيم ولا يُبالي بالقدر الذي أكله هل يَحِلُّ له أو لا يَحِل، يباشر ذلك دون أن يسأل.

إذاً؛ من أهم ما يكون في هذا الباب: التعلم والسؤال و معرفة الحق من الباطل والهدى من الضلال والسنة من البدعة؛ حتى يكون سير الإنسان في عمله وعبادته على بصيرة من الله، وقد قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- مقولة عظيمة جدٍّا في هذا الباب قال: "من عبد الله بغير علم؛ كان ما يفسد أكثر مما يصلح". [13]

المتن (الجزء 3 من 8)

المرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: مَحَبَّةُ مَا أَنْزَلَ الله

وَكُفْرُ مَنْ كَرِهَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: 9] فَأَكْثَرُ النَّاسِ لمَ يُحِبَّ الرَّسُولَ ﷺ، بَلْ أَبْغَضَهُ، وَأَبْغَضَ مَا جَاءَ بِهِ، وَلَوْ عَرَفَ أَنَّ الله أَنْزَلَهُ.

هذه المرتبة الثانية مما يجب علينا تجاه ما أمرنا الله -سبحانه وتعالى- به: محبةُ ما أنزل الله، أي أن يَقوُمَ فِي قُلُوبِنَا مَحبَّةٌ لِمَا أنزل الله، والذي أنزله الله -تبارك وتعالى- هو الهدى والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، وكيف لا يحب المرء هداه وسعادته وفلاحه؟

قال: "محبة ما أنزل الله، وكفر من كرهه"

المُنزّل من الله المشتمل على هداية البشر وفلاحهم، سواء كره كله أو كره بعضه مما يخالف هواه ويتباين مع مشربه ووجهته. قال: "وكفر من كرهه" لقول الله -تعالى-: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ الله فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 9]

قال رحمه الله: "فأكثر الناس لم يحب الرسول ﷺ بل أبغضه وأبغض ما جاء به، ولو عرف أن الله أنزله."

لم يحب الرسول أي وقع في قلبه شنآن وبغض للرسول ﷺ، أو لِما جاء به من الحق والهدى، ولا يكفي في ذلك المحبة التي يدعيها الإنسان بطرف لسانه. "ليس الشأن أن تُحِب، ولكن الشأن أن تُحَب" [14]؛ أن يُحبك الله. فما يكفي في ذلك مجرد الدعاوى! بل لابد أن يَكوُنُ في القَلبِ مَحبَّةٌ صَادِقَةٌ للرَّسُولِ الكَرِيم ومحبةٌ لما جاء به ﷺ.

وقد أشرت قبل قليل في المقدمة أن القلب هو الأساس والمحبة هي روح العمل وهي أعظم محركات القلوب للأعمال والنهوض في طاعة الله -سبحانه وتعالى-، محبة الله، ومحبة من يحبه الله، ومحبة ما يحبه الله، فإذا عَمُرَ القلب بالمحبة الصادقة لله ولرسوله ولدينه فإن الجوانح تتبع ذلك صلاحاً واستقامة، كما قال نبينا : "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت؛ صلح الجسد كله، وإذا فسدت؛ فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". [4]

إليك تلخيصاً لمتن الرسالة مع تعليقات للشيخ عبد الرزاق البدر عليها

المتن (الجزء 4 من 8)

المرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: العَزْمُ على الفِعْل

كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: عَرَفَ وَأَحَبَّ، وَلَكِنْ لمَ يَعْزِمْ؛ خَوْفاً مِنْ تَغَيُّرِ دُنْيَاهُ.

المرتبة الثالثة: العزم على الفعل، إذا عرف الحق وأحبه، تأتي بعد ذلك المرتبة الثالثة وهي العزم، أن يعقد في قلبه عزيمةً على العملِ بهذا الذي عَرَفَه وأحَبَّه، ولهذا يقول الشيخ: "كثير من الناس عرف وأحبَّ (عرفَ: هذه المرتبة الأولى، وأحبَّ: هذه المرتبة الثانية) ولكن لم يعزم"، فعلاً الأمرُ مثل ما ذكر الشيخ؛ أحيانا بعضُ الناس تجده مثلاً يَسمَعُ موعظةً ويفهمُ الكلامَ الذي قيل ويستبين له أنَّه هو الحق، ويقعُ في قلبِه حبُّ له ولكنَّه لا يعزمُ على العملِ. لماذا؟ يقول لو عَملتُ، ماذا يقولون عني؟ العشيرة والقبيلة والجماعة، الذين نشأوا على المسلك الفلاني لو رأوني وقد تغير عملي بهذا الذي عرفته من الحق والهدى؛ فيخشى أن تتغير عليه الدنيا، أن يستنكر عليه الجيران والأهل والقرابة وكذا.

أحياناً بعض الشباب يكون مفرطاً مقصراً متهاوناً ثم يُحَثُّ على التدين والاستقامة؛ فيُحبُّ الاستقامة ويحب التدين ويعرف أن هذا هو الحق وأن سعادته موقوفة على ذلك، يعرف ذلك، لكن ما عَزَمَ على العَمَل، يقول: ماذا يقول عني الأصدقاء؟، يخشى أن تتغير عليه مجالس المزح والمرح. يخاف أن يتنكر عليه الناس وينتقده بعضهم: صار مطوع، تغيّر علينا، فيترك العمل.

إذا قد يعرف الإنسان ويحب، لكنه لا يعزم على العمل، فضلاً عن أن يباشر العمل؛ خوفاً من أن تتغير عليه دنياه.

علامة مرجعية (3)

المتن (الجزء 5 من 8)

المرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ: العَمَلُ

وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: إِذَا عَزَمَ أَوْ عَمِلَ وَتَبَيَّنَ عَلَيْهِ مَنْ يُعَظِّمُهُ مِنَ شُيُوخٍ أَوْ غَيْرِهِمْ تَرَكَ العَمَلَ.

المرتبةُ الرَّابعةُ: العملُ، استبان له الحق وعرفه وأحبَّه وجَدَّ في قلبه عزمٌ على العملِ به؛ فليباشرَ العملَ ولا يبالي من الناس أو انتقادهم أو لومهم، مَن استبانت له سُنَّة النبي ﷺ ليس له أن يدَعها لقول أحدٍ كائنًا مَن كان، فبعضُ النًَاسِ يَجبُنُ في هذا المقامِ تجده مثلًا عرفَ، وأحبَّ وعزمَ، وجَدَّ في قلبِه شيءٌ من العزيمةِ على العمل، لكنَّه لا يعمل! لماذا؟ لأنَّه يخافُ أن يتبينَ عليه بعضُ مَن يعظمَه من الشيوخ وغيرهم؛ فيترك العمل من أجل هؤلاء.

وهذا يظهر جليًّا عندما يكون الإنسانُ نشأ على بعض الفرق المنحرفة، ومعلومٌ أنَّه ثَمَّت فرق منحرفة كثيرة نشأت على بدع، على ضلالات من ورائها شيوخ ضلالة، والنبيﷺ قال: "إنَّ أخوف ما أخافُ على أمَّتِي الأئمة المضلين" [15]، فيكون نشأ على مثل هؤلاء الشيوخ تربَّى على أيديهم، نشَّؤوه على تديُّنٍ منحرفٍ بالبدعٓ، بالضلالات، بل ربَّما حتَّى بعضُ الشركيات، والتعلُّقاتِ الباطلة، فينشأ على ذلك، ثُمَّ يسمعُ في بعض مجالس الخير، الحقَ، ويتضحُ له ويعرفُه ويقعُ في قلبِه عزمٌ على العمل ثم يتوقف عن العمل! لماذا؟! يقول ماذا يقول عني الشيوخ هؤلاء الَّذين تربيتُ على أيديهم من الصغر و نشأتُ عليهم، كيف أترك هذه الأمور؟ فيتخلَّى عن ذلك، يتخلّى عن الحق الذي رآه واضحًا مثل الشَّمسِ، يتخلَّى عنه لا لشيء إلا من أجل هؤلاء! وهذه والله مصيبة، مصيبة عظيمة جدَّاً في الإنسان أن يصل إلى هذه المرتبة، يعرف ويعلم ويعزم، كلها جاهزة على أحسن مايكون، ثم يأتي العمل، فيجبُن عن العمل ويتخوَّف ويقول ماذا يقول عنّٓي هؤلاء الشيوخ؟ ما يدريك؟ قد تكون أنت سبباً -وهذا حصل- لصلاح هؤلاء، واستقامتهم ورجوعهم إلى الحق. نعم

إذًا قوله: "وتبيَّن عليه"؟

تبيَّن: أي ظهر عليه واطَّلع على أمره بعض الشيوخ المُعَظَّمينَ عنده، وعرفوا أنه صار -يعني- يسلك هذا المسلك، في اتباع السنة، وترك البدع ونحو ذلك تبيَّنوا عليه ظهروا ظهور المتسلِّط؛ لأن بعض هؤلاء يكون له مثلا شيء من التسلط في مكانه والظهور. فتجد بعض الناس يَجبُن عن لزوم الحق الذي عرفه وعزم عليه لا لشيء إلا خوفاً من تبيُّن هؤلاء عليه: أي ظهورهم عليه.

المتن (الجزء 6 من 8)

المرْتَبَةُ الخَامِسَةُ

أنَّ كَثِيراً مِمَّنْ عَمِلَ، لَا يَقَعُ خَالِصاً، فَإِنْ وَقَعَ خَالِصاً، لَمْ يَقَعْ صَوَاباً.

يجب أن يحرص الإنسان على وقوعِ العمل على الإخلاص والمتابعة، من الأمور المهمة في هذا المقام أن يقع عمل المرء خالصًا لله (الإخلاص) صواباً على سُنَّة رسول الله ﷺ (المتابعة). [تم شرحها باستفاضة في أول الشرح]

المتن (الجزء 7 من 8)

المرْتَبَةُ السَّادِسَةُ: أَنَّ الصَّالِحِينَ يَخَافُونَ مِنْ حُبُوطِ العَمَلِ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2] وَهَذَا مِنْ أَقَلِّ الأِشْيَاءِ فِي زَمَانِنَا.

الصالحين يخافون من حبوط العمل بأن يبطل العمل؛ لأنه إذا حَبِطَ العملُ لم ينتفع به العامل ولو كان العمل كثيراً؛ ولهذا من الأمور المهمة بعد أن يأتي العلم والمحبة والعزم والعمل والإخلاص والإصابة، يحرص على الحذر من محبطات الأعمال ومبطلاتها.

يقول -رحمه الله-: "أن الصالحين يخافون من حُبوط العمل؛ لقول الله تعالى: أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ"

الشاهد هنا قوله: "وأنتم لا تشعرون" فإذًا المقامُ مقامٌ ينبغي أن تشتد عنايةُ العبد به وحيطته، ومحاذرته من الوقوع في شيء من محبطات الأعمال ولا يستهين بها؛ لأنَّه قد يأتي إنسان بأعمال كثيرة من صيام وصلاة وصدقات وغير ذلك، ثم تذهب هباءً؛ لارتكابه لأمورٍ تبطلُ أعماله وتحبطها.

قال -رحمة الله عليه-: "وهذا من أقل الأشياء في زماننا"

أقل الأشياء في زماننا أي عناية به واهتماما به، بينما السلف كان لهم -مثل ما قدم رحمه الله- عناية عظيمة. قال: "الصالحين يخافون من حبوط العمل".

عبد الله بن أبي مُليكه يقول: "أدركت أكثر من ثلاثين صحابيٍّ كلُّهم يخاف النفاق على نفسه" [16] وقد مرَّ معنا كلام الحسن البصري -رحمه الله تعالى- في أن المؤمن جمع بين الإحسان والمخافة، يحسن في العمل و يخاف من أن يُرد عليه عمَله.

عبدُ الله بن عمر يقول: "لو أعلم أنه تُقُبِّل منّٓي سجدةٌ واحدةٌ لكان خيرًا لي من الدُّنيا وما فيها" [17]، هذا موجودٌ عند الصالحين، ولكن في زماننا يقول: هذا من أقل الأشياء التي تأخذ مأخذها من الاهتمام والعناية عند الناس. نعم.

المتن (الجزء 8 من 8)

المرْتَبَةُ السَّابِعَةُ: الثَّبَاتُ عَلَى الحَقِّ

وَالخَوْفُ مِنْ سُوءِ الخَاتِمَةِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: ”إن منكم من يعمل بعمل أهل الجنة، ويختم له بعمل أهل النار [18] وَهَذِهِ أِيْضاً: مِنْ أَعْظَمِ مَا يَخَافُ مِنْهُ الصَّالِحُونَ، وَهِي قَلِيلٌ فِي زَمَانِنَا؛ فَالتَّفَكُّرُ فِي حَالِ الّذِي تَعْرِفُ مِنَ النَّاسِ، فِي هَذَا وَغَيْرِهِ، يِدُلُّكَ عَلَى شَيءٍ كَثِيرٍ تَجْهَلُهُ؛ والله أَعْلَمُ.

نعم، هذه المرتبة السابعة ممَّا يجب علينا فيما أمرنا الله -سبحانه وتعالى- به: الثَّباتُ على الحقِ، أي أن نجاهدَ أنفُسنا مستعينين بربنا -جل وعلا- على الثبات على الحق والمداومة عليه إلى الممات، قال الله -تعالى-: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: 99] وقال الله -سبحانه و تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102]

قال -رحمه الله تعالى-: "المرتبة السابعة، الثبات على الحق والخوف من سوء الخاتمة"

وتأمّل في التخويف من سوء الخاتمة الحديث الذي أشار إليه النبي، أن النبي ﷺ قال: إن منكم مَن يعمل بعمل أهل الجنة و يُختم له بعمل أهل النار" قال ﷺ: "إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع؛ فيعمل بعمل أهل النار؛ فيدخلها" [19] ولهذا من الأمور العظيمة بعد أن يوفق المرء لهذه الأمور الستة التي ذكرها -رحمه الله- أن يحرص على الثبات على الحق، وأن يكون فيه خوف من سوء الخاتمة. والسلف -رحمهم الله- كانوا يخافون خوفاً عظيماً من السوابق والخواتيم.

أمّا السوابق ماسبق في علم الله أن يكون العبد عليه، ومقادير الخلائق عَلِم الله -سبحانه وتعالى- كل ما هو كائن وكتب -جل وعلا- ذلك في اللَّوحِ المحفوظ، وهذا أمر مُغيَّب عن العبد لا يدري ما الذي سبق في علم الله -سبحانه وتعالى- له أن يكون: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [الأنبياء: 101]، فلا يدري العبد ما الذي سبق، أمرٌ مُغيَّب.

فالخوف من السوابق قال: "فيسبق عليه الكتاب" فيعمل بعمل أهل النَّار -هذه الخاتمة- فيدخلها، فكانوا يخافون من السوابق والخواتيم، فإذًا العبد بعد أن تُيسَّر له هذه الأمور ويُوفَق لها، يحرص على الأمر السابع وهو الثبات والخوف من سوء الختام.

ومن أكرمه الله -سبحانه و تعالى- بصحة الاعتقاد، وسلامة الباطن؛ فإنَّ الله -عز وجل- لا يخذله؛ ولهذا جاء في بعض الروايات، روايات الحديث وهي ثابتة: قال ﷺ: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس" [20]، أي أن باطنه فيه ما فيه، سريرته فيها ما فيها، لكن إذا صح من المرء الاعتقاد وقويت الصلة بالله -سبحانه وتعالى- فإن الله سبحانه وتعالى لا يخذله؛ ولهذا في الآية الكريمة قال: ﴿يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ الله الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم :27]

قال: "وهذا أيضاً من أعظم ما يخاف منه الصالحون"

أي سوء الخاتمة، الخوف من السوابق، والخوف من الخواتيم.

قال: "وهي قليل في زماننا"

يعني هذا الخوف الذي كان عند السلف -رحمهم الله- قليل في زماننا.

قال -رحمه الله تعالى-: "فالتفكر في حال الذي تعرف من الناس في هذا وغيره يدلك على شيء كثير تجهله"

يعني الشيخ يوجه -رحمه الله- إلى معرفة هذه المراتب وأهميتها، والأدلة عليها، ثم التفكر في حال الناس، واقعهم مع هذه الواجبات العظيمة التي أوجبها الله -سبحانه وتعالى- قال: "إن مثل هذا التفكير في هذا وغيره يدلك على كثير تجهله".

وهذه الرسالة لي تعليق عليها مطبوع في رسالة صغيرة أظنها بعنوان: "تعليقات على رسالة واجبنا نحو ما أمرنا الله سبحانه وتعالى به"، وأسأل الله الكريم أن ينفعنا أجمعين بما علمنا، وأن يزيدنا علمًا، وأن يُصلح لنا شأننا كله، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يهدينا إليه صراطًا مستقيما.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صلّٓ وسلِّم على عبدُك ورسولِك نبيِّنا مُحمَّد وعلى آله وصحبِه أجمعين.

الهوامش

[*] الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله- نوّه بأنه لا يُسمَحُ بنشر التفريغات المنشورة على مجموعات التليجرام، لأنه لم يراجعها، فقمنا -نحن فريق إدارة الموقع- بسماع الدروس وكتابتها وتنسيقها وتحريرها وتدقيقها واختصار التكرارات فيها حتى لا يَملّ القارئ، اختصاراً موجزاً لا يُخلُّ بالمعنى، ولا يَحذِفُ فائدة، ولا يُخفي معلومة، وفي بعض الفقرات قمنا بإعادة صياغتها (لأن المستمع غير القارئ)، وقمنا بإضافة هامش لعرض مصادر الأحاديث التي يذكرها الشيخ والفوائد والقصص كلما أمكن ذلك.

[1] الحديث: "تركتُ فيكم شيئَينِ ، لن تضِلوا بعدهما : كتابَ اللهِ ، و سُنَّتي ، و لن يتفرَّقا حتى يَرِدا عليَّ الحوضَ" [صحيح، صحيح الجامع]

[2] الحديث: عن أم سلمة أم المؤمنين: "كانَ يقولُ إذا صلَّى الصُّبحَ حينَ يسلِّمُ: (اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ عِلمًا نافعًا ورزقًا طيِّبًا وعملًا متقبَّلًا)" [صحيح، صحيح ابن ماجه]

[3] الحديث: "احتُبِسَ عنَّا رسولُ الله ﷺ ذاتَ غداةٍ من صلاةِ الصُّبحِ حتَّى كدنا نتَراءى عينَ الشَّمسِ، فخرجَ سريعًا فثوِّبَ بالصَّلاةِ، فصلَّى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وتجوَّزَ في صلاتِهِ، فلمَّا سلَّمَ دعا بصوتِهِ فقالَ لَنا: علَى مصافِّكم كما أنتُمْ ثمَّ انفتلَ إلينا فقالَ: أما إنِّي سأحدِّثُكُم ما حبسَني عنكمُ الغداةَ: أنِّي قمتُ منَ اللَّيلِ فتوضَّأتُ فصلَّيتُ ما قُدِّرَ لي فنعَستُ في صلاتي فاستثقلتُ، فإذا أَنا بربِّي تبارَكَ وتعالى في أحسَنِ صورةٍ، فقالَ: يا مُحمَّدُ قلتُ: ربِّ لبَّيكَ، قالَ: فيمَ يختصِمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: لا أدري ربِّ، قالَها ثلاثًا قالَ: فرأيتُهُ وضعَ كفَّهُ بينَ كتفيَّ حتَّى وجدتُ بردَ أَناملِهِ بينَ ثدييَّ، فتجلَّى لي كلُّ شيءٍ وعرَفتُ، فقالَ: يا محمَّدُ، قلتُ: لبَّيكَ ربِّ، قالَ: فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: في الكفَّاراتِ، قالَ: ما هنَّ؟ قلتُ: مَشيُ الأقدامِ إلى الجماعاتِ، والجلوسُ في المساجدِ بعدَ الصَّلاةِ، وإسباغُ الوضوءِ في المَكْروهاتِ، قالَ: ثمَّ فيمَ؟ قلتُ: إطعامُ الطَّعامِ، ولينُ الكلامِ، والصَّلاةُ باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ. قالَ: سَل. قُل: اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ فعلَ الخيراتِ، وتركَ المنكراتِ، وحُبَّ المساكينِ، وأن تغفِرَ لي وترحمَني، وإذا أردتَ فتنةً في قومٍ فتوفَّني غيرَ مفتونٍ، وأسألُكَ حبَّكَ وحبَّ من يحبُّكَ، وحبَّ عملٍ يقرِّبُ إلى حُبِّكَ، قالَ رسولُ الله ﷺ: إنَّها حقٌّ فادرُسوها ثمَّ تعلَّموها" [صحيح، صحيح الترمذي]

[4] الحديث: "سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: وأَهْوَى النُّعْمانُ بإصْبَعَيْهِ إلى أُذُنَيْهِ، إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهاتِ وقَعَ في الحَرامِ، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ مَحارِمُهُ، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ" [صحيح، صحيح مسلم]

[5] خرَجْتُ مع شدَّادِ بنِ أوسٍ فنزَلْنا مَرْجَ الصُّفَّرِ فقال : ائتوني بالسُّفرةِ نعبَثْ بها فكان القومُ يحفَظونَها منه فقال : يا بَني أخي لا تحفَظوها عنِّي ولكنِ احفَظوا منِّي ما سمِعْتُ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : "إذا اكتَنَز النَّاسُ الدَّنانيرَ والدَّراهمَ فاكتَنِزوا هؤلاءِ الكلماتِ : اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ الثَّباتَ في الأمرِ والعزيمةَ على الرُّشدِ وأسأَلُكَ شُكرَ نعمتِكَ وحُسنَ عبادتِكَ وأسأَلُكَ مِن خيرِ ما تعلَمُ وأستغفِرُكَ لِما تعلَمُ إنَّكَ أنتَ علَّامُ الغيوبِ"

الراوي : شداد بن أوس / المحدث : ابن حبان / المصدر : صحيح ابن حبان / الصفحة أو الرقم : 935 / خلاصة حكم المحدث : [أخرجه في صحيحه]

[6] قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2]. وجعل ما على الأرض زينةً لها ليختبرهم أيُّهم أحسن عملًا. قال الفضيل بن عياضٍ - رضي الله عنه -: هو أخلَصُه وأصوَبُه. قالوا: يا أبا عليٍّ ما أخلَصُه وأصوَبُه؟ قال: إنّ العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبَل، حتّى يكون خالصًا صوابًا. فالخالص: أن يكون لله. والصّواب: أن يكون على السُّنّة.*

* أخرجه ابن أبي الدنيا في "الإخلاص والنية" (٢٢) وبسنده الثعلبي في "الكشف والبيان" (٩/ ٣٥٦). وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٨/ ٩٥).
[المصدر] مدارج السّالكين لابن القيّم: (1/ 130)

[7] قالَ الله تَبارَكَ وتَعالَى: "أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ".

الراوي: أبو هريرة / المحدث: مسلم / المصدر: صحيح مسلم (2985) / خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

[8] "مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ."

الراوي: عائشة أم المؤمنين / المحدث: مسلم / المصدر: صحيح مسلم (1718) / خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

[9]عن الحسن البصري -رحمه الله- قال: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ جَمَعَ إِحْسَانًا وَشَفَقَةً ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ جَمَعَ إِسَاءَةً وَأَمْنًا".

الزهد لابن المبارك (985)

[10] سألتُ رسولَ الله ﷺ عن هذِهِ الآيةِ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قالت عائشةُ : أَهُمُ الَّذينَ يشربونَ الخمرَ ويسرِقونَ قالَ لا يا بنتَ الصِّدِّيقِ ، ولَكِنَّهمُ الَّذينَ يصومونَ ويصلُّونَ ويتصدَّقونَ ، وَهُم يخافونَ أن لا تُقبَلَ منهُم {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}

الراوي : عائشة أم المؤمنين / المحدث :الألباني / المصدر :صحيح الترمذي / الصفحة أو الرقم: 3175 / خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

[11] كانَ ابنُ الزُّبَيْرِ يقولُ: في دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ: "لا إلَهَ إلَّا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، لا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ، له النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ ولو كَرِهَ الكَافِرُونَ"، وَقالَ: كانَ رَسولُ الله ﷺ يُهَلِّلُ بهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ. [صحيح، صحيح مسلم]

[12] الحديث: "إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُمْ كَما يَخلَقُ الثّوبُ، فاسْألُوا اللهَ تعالَى أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِكمْ" [صحيح، صحيح الجامع]

[13]

قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: « مَنْ عَمِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُ » [الزهد للإمام أحمد (1/301)]

[14]يقول الإمام ابن القيم: وتأمل قوله -تعالى- : ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله﴾ أي الشأن في أن الله يحبكم. لا في أنكم تحبونه، وهذا لا تنالونه إلا باتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم. [تهذيب مدارج السالكين، (50) منزلة المحبة، ص443]

[15]الحديث: "إنَّ أخوفَ ما أخافُ على أمَّتي الأئمةُ المضلُّونَ" [صحيح، تفسير القرطبي 12/104]

[16]أخرجه البخاري معلقًا، ك: الإيمان، 36- ب: خَوْفِ المُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ.

[17]وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ، عَنْ هِشامِ بْنِ يَحْيى، عَنْ أبِيهِ قالَ: دَخَلَ سائِلٌ إلى ابْنِ عُمَرَ، فَقالَ لِابْنِهِ: أعْطِهِ دِينارًا، فَأعْطاهُ، فَلَمّا انْصَرَفَ قالَ ابْنُهُ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنكَ يا أبَتاهْ، فَقالَ: لَوْ عَلِمْتُ أنَّ اللَّهَ تَقَبَّلَ مِنِّي سَجْدَةً واحِدَةً أوْ صَدَقَةَ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ غائِبٌ أحَبَّ إلَيَّ مِنَ المَوْتِ، تَدْرِي مِمَّنْ يَتَقَبَّلُ الله؟ ﴿إنَّما يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المُتَّقِينَ﴾ [الدر المثور للسيوطي، تفسير آية 27 : المائدة]

[18]الحديث: "إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخْتَمُ له عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ يُخْتَمُ له عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ." [صحيح، صحيح مسلم 2651]

[19] الحديث: "إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ الله مَلَكًا فيُؤْمَرُ بأَرْبَعٍ: برِزْقِهِ وأَجَلِهِ، وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، فَوالله إنَّ أحَدَكُمْ -أوْ: الرَّجُلَ- يَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ، حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَها غَيْرُ باعٍ أوْ ذِراعٍ، فَيَسْبِقُ عليه الكِتابُ فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ، فَيَدْخُلُها. وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ، حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَها غَيْرُ ذِراعٍ أوْ ذِراعَيْنِ، فَيَسْبِقُ عليه الكِتابُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُها. قالَ آدَمُ: إلَّا ذِراعٌ." [صحيح، صحيح البخاري 6594]

[20] الحديث: "التَقَى النبيُّ ﷺ والمُشْرِكُونَ في بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَاقْتَتَلُوا، فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إلى عَسْكَرِهِمْ، وفي المُسْلِمِينَ رَجُلٌ لا يَدَعُ مِنَ المُشْرِكِينَ شَاذَّةً ولَا فَاذَّةً إلَّا اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بسَيْفِهِ، فقِيلَ: يا رَسولَ الله، ما أجْزَأَ أحَدٌ ما أجْزَأَ فُلَانٌ، فَقالَ: إنَّه مِن أهْلِ النَّارِ، فَقالوا: أيُّنَا مِن أهْلِ الجَنَّةِ، إنْ كانَ هذا مِن أهْلِ النَّارِ؟ فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: لَأَتَّبِعَنَّهُ، فَإِذَا أسْرَعَ وأَبْطَأَ كُنْتُ معهُ، حتَّى جُرِحَ، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بالأرْضِ، وذُبَابَهُ بيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عليه فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ إلى النبيِّ ﷺ فَقالَ: أشْهَدُ أنَّكَ رَسولُ الله، فَقالَ: وما ذَاكَ. فأخْبَرَهُ، فَقالَ: إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ، فِيما يَبْدُو لِلنَّاسِ، وإنَّه لَمِنْ أهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ، فِيما يَبْدُو لِلنَّاسِ، وهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ." [صحيح، صحيح البخاري 4207]